الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بل إنكار رسالته صلى الله عليه وسلم طعن في الرب تبارك وتعالى ، ونسبته له إلى الظلم والسفه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، بل جحد للرب بالكلية وإنكار .

وبيان ذلك : أنه إذا كان محمد عندهم ليس بنبي صادق ، بل ملك ظالم ، فقد تهيأ له أن يفتري على الله ويتقول عليه ، ويستمر حتى يحلل ويحرم ، ويفرض الفرائض ، ويشرع الشرائع ، وينسخ الملل ، ويضرب الرقاب ، ويقتل أتباع الرسل وهم أهل الحق ، ويسبي نساءهم ويغنم أموالهم وديارهم ، ويتم له ذلك حتى يفتح الأرض ، وينسب ذلك كله إلى أمر الله له به ومحبته له ، والرب تعالى يشاهده وهو يفعل بأهل الحق ، وهو مستمر في الافتراء عليه ثلاثا وعشرين سنة ، وهو مع ذلك كله يؤيده وينصره ، ويعلي أمره ، ويمكن له من أسباب [ ص: 154 ] النصر الخارجة عن عادة البشر ، وأبلغ من ذلك أنه يجيب دعواته ، ويهلك أعداءه ، ويرفع له ذكره ، هذا وهو عندهم في غاية الكذب والافتراء والظلم ، فإنه لا أظلم ممن كذب على الله وأبطل شرائع أنبيائه وبدلها وقتل أولياءه ، واستمرت نصرته عليهم دائما ، والله تعالى يقره على ذلك ، ولا يأخذ منه باليمين ، ولا يقطع منه الوتين .

فيلزمهم أن يقولوا : لا صانع للعالم ولا مدبر ، ولو كان له مدبر قدير حكيم ، لأخذ على يديه ولقابله أعظم مقابلة ، وجعله نكالا للصالحين . إذ لا يليق بالملوك غير ذلك ، فكيف بملك الملوك وأحكم الحاكمين ؟ .

ولا ريب أن الله تعالى قد رفع له ذكره ، وأظهر دعوته والشهادة له بالنبوة على رؤوس الأشهاد في سائر البلاد ، ونحن لا ننكر أن كثيرا من الكذابين قام في الوجود ، وظهرت له شوكة ، ولكن لم يتم أمره ، ولم تطل مدته ، بل سلط الله عليه رسله وأتباعهم ، وقطعوا دابره واستأصلوه . هذه سنة الله التي قد خلت من قبل ، حتى إن الكفار يعلمون ذلك . قال تعالى : أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ( الطور : 30 - 31 ) . أفلا تراه يخبر أن كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يقر من تقول عليه بعض الأقاويل ، لا بد أن يجعله عبرة لعباده كما جرت بذلك سنته في المتقولين عليه . وقال تعالى : أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ( الشورى : 24 ) . وهنا انتهى جواب الشرط ، ثم أخبر خبرا جازما [ ص: 155 ] غير معلق : أنه يمحو الباطل ويحق الحق . وقال تعالى : وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ( الأنعام : 91 ) . فأخبر سبحانه أن من نفى عنه الإرسال والكلام لم يقدره حق قدره .

التالي السابق


الخدمات العلمية