الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وعلى هذا خروج القيء ملء الفم أنه يكون حدثا ، وإن كان أقل من ملء الفم لا يكون حدثا ، وعند زفر يكون حدثا قل ، أو كثر ، ووجه البناء على هذا الأصل أن الفم له حكم الظاهر ، عنده بدليل أن الصائم إذا تمضمض لا يفسد صومه فإذا ، وصل القيء إليه فقد [ ص: 26 ] ظهر النجس من الآدمي الحي فيكون حدثا ، وإنا نقول له مع الظاهر حكم الظاهر كما ذكره زفر وله مع الباطن حكم الباطن بدليل أن الصائم إذا ابتلع ريقه لا يفسد صومه ، فلا يكون الخروج إلى الفم حدثا ، لأنه انتقال من بعض الباطن إلى بعض ، وإنما الحدث هو الخروج من الفم ; لأنه انتقال من الباطن إلى الظاهر ، والخروج لا يتحقق في القليل ; لأنه يمكن رده ، وإمساكه ، فلا يخرج بقوة نفسه بل بالإخراج ، فلا يوجد السيلان ، ويتحقق في الكثير ، لأنه لا يمكن رده ، وإمساكه فكان خارجا بقوة نفسه لا بالإخراج فيوجد السيلان .

                                                                                                                                ثم نتكلم في المسألة ابتداء فحجة زفر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { القلس حدث } من غير فصل بين القليل ، والكثير ، ولأن الحدث اسم لخروج النجس وقد وجد لأن القليل خارج نجس كالكثير فيستوي فيه القليل ، والكثير كالخارج من السبيلين .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن علي رضي الله عنه موقوفا عليه ، ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { عد الأحداث جملة وقال فيها أود سعة تملأ الفم } ، ولو كان القليل حدثا لعدة عند عد الأحداث كلها ( وأما ) الحديث فالمراد منه القيء ملء الفم ; لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف ، وهو القيء ملء الفم ، أو يحمل على هذا توفيقا بين الحديثين صيانة لهما عن التناقض وقوله وجد خروج النجس في القليل قلنا إن سلمنا ذلك ففي قليل القيء ضرورة ، لأن الإنسان لا يخلو منه خصوصا حال الامتلاء ، ومن صاحب السعال ، ولو جعل حدثا لوقع الناس في الحرج ، والله تعالى ما جعل علينا في الدين من حرج ، ولا ضرورة في القليل من السبيلين ، ولا فرق بين أن يكون القيء مرة صفراء أو سوداء ، وبين أن يكون طعاما أو ماء صافيا ، لأن الحدث اسم لخروج النجس ، والطعام ، أو الماء نجسا لاختلاطه بنجاسات المعدة ، ولم يذكر في ظاهر الرواية تفسير ملء الفم .

                                                                                                                                وقال أبو علي الدقاق هو أن يمنعه من الكلام ، وعن الحسن بن زياد هو أن يعجز عن إمساكه ورده ، وعليه اعتمد الشيخ أبو منصور وهو الصحيح ، لأن ما قدر على إمساكه ورده فخروجه لا يكون بقوة نفسه بل بالإخراج ، فلا يكون سائلا ، وما عجز عن إمساكه ورده فخروجه يكون بقوة نفسه فيكون سائلا ، والحكم متعلق بالسيلان ، ولو قاء أقل من ملء الفم مرارا هل يجمع ، ويعتبر حدثا لم يذكر في ظاهر الرواية .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف أنه إن كان في مجلس واحد يجمع ، وإلا ، فلا ، وروي عن محمد أنه إن كان بسبب غثيان واحد يجمع ، وإلا ، فلا وقال أبو علي الدقاق يجمع كيفما كان وجه قول أبي يوسف أن المجلس جعل في الشرع جامعا لأشياء متفرقة كما في باب البيع ، وسجدة التلاوة ، ونحو ذلك وقول محمد أظهر ، لأن اعتبار المجلس اعتبار المكان ، واعتبار الغثيان اعتبار السبب ، والوجود يضاف إلى السبب لا إلى المكان .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية