الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام فقال إن : " النور إذا دخل الصدر انفسح ; فقيل : يا رسول الله هل لذلك من علامة تعرف .

؟ قال : نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزوله وقال السديالذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا أي أيكم أكثر للموت ذكرا ، وأحسن له استعدادا ، وأشد منه خوفا وحذرا .

وقال حذيفة ما من صباح ولا مساء إلا ومناد ينادي : أيها الناس الرحيل الرحيل .

وتصديق ; ذلك قوله تعالى : إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر في الموت .

وقال سحيم مولى بني تميم جلست إلى عامر بن عبد الله وهو يصلي ، فأوجز في صلاته ، ثم أقبل علي فقال : أرحني بحاجتك ، فإني أبادر ، قلت : وما تبادر ؟ قال : ملك الموت رحمك الله . قال : فقمت عنه ، وقام إلى صلاته .

ومر داود الطائي فسأله رجل عن حديث فقال دعني : إنما أبادر خروج نفسي قال عمر رضي الله عنه : التؤدة في كل شيء خير إلا في أعمال الخير للآخرة .

وقال المنذر سمعت مالك بن دينار يقول لنفسه : ويحك بادري ، قبل أن يأتيك الأمر ، ويحك بادري ، قبل أن يأتيك الأمر ، حتى كرر ذلك ستين مرة أسمعه ولا يراني .

وكان الحسن يقول في موعظته : المبادرة المبادرة ، فإنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل ، رحم الله امرأ نظر إلى نفسه ، وبكى على عدد ذنوبه . ثم قرأ هذه الآية : إنما نعد لهم عدا يعني الأنفاس آخر العدد خروج نفسك ، آخر العدد فراق أهلك ، آخر العدد دخولك في قبرك .

واجتهد أبو موسى الأشعري قبل موته اجتهادا شديدا ; فقيل له : لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق ، فقال : إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها والذي بقي من أجلي أقل من ذلك . قال فلم يزل على ذلك حتى مات .

وكان يقول لامرأته : شدي رحلك فليس على جهنم معبر .

وقال بعض الخلفاء على منبره عباد الله ، اتقوا الله ما استطعتم ، وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا وعلموا . أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا ، واستعدوا للموت فقد أظلكم ، وترحلوا فقد جد بكم وإن غاية تنقصها اللحظة ، وتهدمها الساعة ، لجديرة بقصر المدة ، وإن غائبا يجد به الجديدان الليل والنهار لحري بسرعة الأوبة ، وإن قادما يحل بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة فالتقى عند ، ربه من ناصح ، نفسه ، وقدم توبته ، وغلب شهوته فإن أجله مستور عنه ، وأمله خادع له ، والشيطان موكل به ، يمنيه التوبة ليسوقها ، ويزين إليه المعصية ليرتكبها حتى تهجم منيته عليه ، أغفل ما يكون عنها ، وإنه ما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به فيا لها حسرة على ذي غفلة أو ، يكون عمره عليه حجة وأن ترديه ، أيامه إلى شقوة . جعلنا الله وإياكم ممن لا تبطره نعمة ، ولا تقصر به عن طاعة الله معصية ولا يحل به بعد الموت حسرة إنه سميع الدعاء ، وإنه بيده الخير دائما ، فعال لما يشاء .

وقال بعض المفسرين في قوله تعالى : فتنتم أنفسكم قال بالشهوات واللذات وتربصتم قال بالتوبة وارتبتم قال شككتم حتى جاء أمر الله قال الموت وغركم بالله الغرور قال الشيطان وقال الحسن تصبروا ، وتشددوا ، فإنما هي أيام قلائل . وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى الرجل منكم فيجيب ولا يلتفت فانتقلوا بصالح ما بحضرتكم .

وقال ابن مسعود ما منكم من أحد أصبح إلا وهو ضيف وما له ، عارية ، والضيف مرتحل ، والعارية مؤداة .

وقال أبو عبيدة الباجي دخلنا على الحسن في مرضه الذي مات فيه ، فقال : مرحبا بكم وأهلا ، حياكم الله بالسلام ، وأحلنا وإياكم دار المقام ، هذه علانية حسنة إن صبرتم ، وصدقتم ، واتقيتم فلا يكن حظكم من هذا الخبر رحمكم الله أن تسمعوه بهذه الأذن ، وتخرجوه من هذه الأذن فإن ، من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد رآه غاديا .

ورائحا ، لم يضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ، ولكن رفع له علم فشمر إليه الوحا الوحا ، النجا النجا . علام تعرجون أتيتم ورب الكعبة كأنكم والأمر معا ، رحم الله عبدا جعل العيش عيشا واحدا ، فأكل كسرة ، ولبس خلقا ، ولزق بالأرض ، واجتهد في العبادة ، وبكى على الخطيئة ، وهرب من العقوبة وابتغى ، الرحمة ، حتى يأتيه أجله ، وهو على ذلك وقال عاصم الأحول قال لي فضيل الرقاشي وأنا سائلة : يا هذا لا يشغلنك كثرة الناس عن نفسك ، فإن الأمر يخلص إليك دونهم ، ولا تقل أذهب ههنا وههنا فينقطع عنك النهار في لا شيء ، فإن الأمر محفوظ عليك ، ولم تر شيئا قط أحسن طلبا ، ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم .

التالي السابق


(وقال ابن مسعود ) رضي الله عنه: (تلا رسول الله صلي الله عليه وسلم ) قوله تعالى: ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن النور إذا دخل الصدر انفسح; فقيل: يا رسول الله هل لذلك علامة تعرف؟ قال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله ) . رواه ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وأبو الشيخ، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب من طرق عديدة، وقد تقدم. وقد روي نحوه من مرسل أبي جعفر المدائني عند ابن المبارك في الزهد، ومن مرسل الحسن عند ابن أبي الدنيا في كتاب الموت .

(وقال السدي ) هو محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي، مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. وهذا هو المفسر، ويعرف بالصغير، روى عن يحيى بن عبيد الله، والكلبي، وعنه هشام بن عبد الله، ومحمد بن عبيد المحاربي. قال أبو حاتم: هو ذاهب الحديث، متروك الحديث، لا يكتب حديثه ألبتة .

وأما السدي الكبير فهو أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن، كان يبيع الخمر بسدة الجامع بالكوفة- والسدة هي الباب- حجازي الأصل، روى عن أنس، وعنه شعبة، والثوري. قال ابن أبي حاتم: كان أعلم بالقرآن من الشعبي، مات في إمارة ابن هبيرة على العراق ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) قال (أي أيكم أكثر للموت ذكرا، وأحسن له استعدادا، وأشد منه خوفا وحذرا ) . رواه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل، والبيهقي في الشعب. (وقال حذيفة ) رضي الله عنه (ما من صباح ولا مساء إلا ومناد ينادي: أيها الناس الرحيل الرحيل; وإن تصديق ذلك ) في (قوله تعالي: إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر قال في الموت ) . رواه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل هكذا، وقال: لمن شاء منكم أن يتقدم قال الموت أو يتأخر قال الموت، والضمير راجع للنار، أي أن البلايا الكبرى كثيرة، والنار واحدة منها .

(وقال سحيم ) المدني (مولى بني تميم ) وقيل: هو مولى بني زهرة، روى له النسائي: (جلست إلى عامر بن عبد الله ) بن الزبير، مدني، عابد، ثقة، روى عن أبيه، وعن عدة من الصحابة، وعن جماعة من التابعين (وهو يصلي، فأوجز في صلاته، ثم أقبل علي فقال: أرحني بحاجتك، فإنى أبادر، قلت: وما تبادر؟ قال: ملك الموت رحمك الله. قال: فقمت عنه، وقام إلى صلاته ) رواه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل. (ومر ) أبو سليمان (داود ) بن نصير (الطائي ) رحمه الله تعالي (فسأله رجل عن حديث فقال: دعني إنما أبادر خروج نفسي ) . رواه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا عبد الرحمن بن العباس حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي حدثنا عبد الله بن سلمة بن سعيد قال: لقي داود الطائي رجل فسأله عن حديث فقال: دعني فإني أبادر خروج نفسي .

(وقال عمر رضي الله عنه: التؤدة في كل شيء خير إلا في أعمال الآخرة ) . وهذا قد روي مرفوعا من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ: إلا في عمل الآخرة. رواه الحاكم، والبيهقي، من رواية مصعب بن سعد عن أبيه. وروى ابن سعد من طريق سليمان بن أبي حثمة عن أمه الشفاء بنت عبد الله قالت: "كان عمر إذا مشى أسرع". وهذا محمود لمن يخشى من البطء في السير تفويت أمر ديني ونحوه، وعليه يحمل ما تقدم من قوله، وهذا كما في شرب السويق، وتقديمه على الفتيت، فلا يعارض ما ورد: سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن .

(وقال المنذر ) بن ثعلبة العبدي القطعي، ويقال الطائي، أبو النضر البصري، ثقة، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (سمعت مالك بن دينار ) البصري، العابد، الثقة (يقول لنفسه: ويحك، بادري قبل أن يأتيك الأمر، ويحك، بادري قبل أن يأتيك الأمر، حتى كرر ذلك ستين مرة أسمعه ولا يراني ) . رواه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل. (وكان الحسن ) البصري- رحمه الله تعالي- (يقول في موعظته: المبادرة المبادرة، فإنما هي الأنفاس [ ص: 256 ] لو حبست عنكم انقطعت منكم أعمالكم التي تقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرأ نظر لنفسه، وبكى على ذنوبه. ثم قرأ هذه الآية: إنما نعد لهم عدا يعني الأنفاس ) أي نعد لهم الأنفاس عدا (آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك ) . رواه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل هكذا. ورواه صاحب كتاب المتفهمين من طريق عبد الواحد بن زيد قال: سمعت الحسن يقول: "يا ابن آدم، لقد أعذر الله إليك أن عمرك أربعين سنة تركض وترتع، فبادر المهلة قبل حلول الأجل، ونزول الموت، وكأنك بك قد لحقت بمن مضى من إخوانك، فندمت على ما فرطت فيه أيام حياتك" ثم يبكي ويقول: "المبادرة رحمكم الله، المبادرة، فإنما هي الأنفاس" فساقه .

(واجتهد أبو موسى الأشعري ) رضي الله عنه (قبل موته اجتهادا شديدا; فقيل له: لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق، فقال: إن الخيل إذا أرسلت ) إلى السباق (فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها ) أي من القوة (والذي بقي من أجلي أقل من ذلك. قال ) الراوي: (فلم يزل على ذلك حتى مات ) قال: (وكان يقول لامرأته: شدي رحلك فليس على جهنم معبر ) رواه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل .

(وقال بعض الخلفاء على منبره ) هو أمير المؤمنين علي- رضي الله عنه- كما ذكره الشريف الموسوي في نهج البلاغة، وهذا لفظه مع بعض اختلاف في السياق كما ننبه عليه: (عباد الله، اتقوا الله ما استطعتم، وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا. واعلموا أن الدنيا ليست بدار فاستبدلوا، واستعدوا للموت فقد أظلكم، وترحلوا فقد جد بكم ) . وسياق النهج: واتقوا الله عباد الله، وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، وترجلوا فقد جد بكم، واستعدوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا. واعلموا أن الدنيا ليست لكم بدار فاستبدلوا، فإن الله لم يخلقكم عبثا، ولم يترككم سدى، وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به. (وإن غاية تنقصها اللحظة، وتهدمها الساعة، لجديرة بقصر المدة، وإن غائبا يحذوه ) وفي نسخة: يحدوه (الجديدان الليل والنهار أحرى بسرعة الأوبة، وإن قادما يحل ) وفي نسخة: يقدم (بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة، فاتقى عبد ربه، وناصح نفسه، وقدم توبته، وغلب شهوته ) ولفظ النهج بحذف الواوات (فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يمنيه التوبة ليستوفيها، ويزين له المعصية ليرتكبها ) ولفظ النهج بتقديم الجملة الثانية على الأولى وفيه: ليركبها (حتى تهجم منيته عليه، أغفل ما يكون عنها، وإنه ما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به ) هذه الجملة في سياق النهج مقدمة كما أشرنا إليها (فيا لها حسرة على ) كل (ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجة، وأن ترد به أيامه إلى شقوة. جعلنا الله وإياكم ) ولفظ النهج: نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم (ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة الله معصية ) ولفظ النهج: عن طاعة ربه غاية (ولا تحل به بعد الموت حسرة ) ولفظ النهج: ندامة ولا كآبة (إنه سميع الدعاء، وإنه بيده الخير دائما، فعال لما يشاء .

وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: فتنتم أنفسكم قال ) أي (بالشهوات واللذات ) فإن النفوس تفتتن بها بمقتضى ميلها إليها ( وتربصتم قال ) أي (بالتوبة ) أي سوفتم بها ( وارتبتم قال أي شككتم ) أي داخلكم الارتياب والشك ( وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله قال ) أي (الموت ) أي فاجأكم ( وغركم بالله الغرور ) وهو كل ما يغرك من مال، وجاه، وشهوة، وشيطان، وقد فسر بالشيطان وبالدنيا لأنها تغر وتمر، وأما الشيطان فإنه أقوى الغارين وأخبثهم .

(وقال الحسن ) البصري رحمه الله تعالى: (تصبروا، وتشددوا، فإنما هي أيام قلائل. وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى الرجل [ ص: 257 ] منكم فيجيب ) الداعي (ولا يلتفت فانتقلوا بصالح ما بحضرتكم ) رواه أبو نعيم في الحلية. (وقال ابن مسعود ) رضي الله عنه: (ما منكم من أحد أصبح إلا وهو ضيف، وماله عارية، والضيف مرتحل، والعارية مؤداة ) إلى أهلها. رواه الطبراني، وأبو نعيم من طريق الضحاك بن مزاحم عنه، وقد تقدم. (وقال أبو عبيدة ) بكر بن الأسود، ويقال ابن أبي الأسود (الناجي ) الزاهد، من بني ناجية بن سامة بن لؤي، روى عن الحسن، وابن سيرين، قال الذهبي: متروك، ومشاه بعضهم: (دخلنا على الحسن ) البصري (في مرضه الذي مات فيه، فقال: مرحبا بكم وأهلا، حياكم الله بالسلام، وأحلنا وإياكم دار المقام، هذه علانية حسنة إن صبرتم، وصدقتم، واتقيتم ) وفي نسخة: أيقنتم (فلا يكن حظكم من هذا الخير- رحمكم الله- أن تسمعوه بهذه الأذن، وتخرجوه من هذه الأذن، فإنه من رأى محمدا- صلى الله عليه وسلم- فقد رآه غاديا ورائحا، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولكن رفع له علم فشمر إليه الوحا الوحا، النجا النجا. علام تعرجون ) أي تقفون (أتيتم ورب الكعبة كأنكم والأمر معا، رحم الله عبدا جعل العيش عيشا واحدا، فأكل كسرة، ولبس خلقا، ولزق بالأرض، واجتهد في العبادة، وبكى على الخطيئة، وهرب من العقوبة، وابتغي الرحمة، حتى يأتيه أجله، وهو على ذلك ) . قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل، وابن حبان في الألقاب، وأبو نعيم في الحلية من هذا الوجه .

(وقال ) أبو عبد الرحمن (عاصم ) بن سليمان (الأحول ) البصري، ثقة، مات بعد الأربعين من المائة، روى له الجماعة (قال لي فضيل ) بن مرزوق الأغر (الرقاشي ) الكوفي، أبو عبد الرحمن، صدوق، مات في حدود سنة ستين، روى له مسلم والأربعة (وأنا أسائله: يا هذا لا يشغلنك كثرة الناس عن نفسك، فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقول أذهب ههنا وههنا فينقطع عنك النهار في لا شيء، فإن الأمر محفوظ عليك، ولم تر شيئا قط أحسن طلبا، ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم ) رواه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل .

وقال صاحب كتاب المتفجعين حدثنا صالح بن زياد حدثنا سعيد بن عامر عن جسر قال: كان الحسن يقول: "أيها المرء; إنك لا تدري لعلك أن تكون الشخص المختطف، إنك لا تدري بأي ميتة تموت، إنك لا تدري لعلك أن يحبس طعامك أو شرابك في بطنك فيخرج به نفسك، داو نفسك، واحذر مصرعك بكرب الموت وشدته، إنك لا تدري بما يأتيك به الموت بخير أو بشر، ليكن الموت منك على بال أدب نفسك، بتواتر نعم الله عليك، وأنت غير مستحق لها". ثم يقبل على أصحابه فيقول: "الموت أول وارد عليك من الآخرة، بخير يستر أو بشر يسوء"، ثم يبكي. قال: وحدثنا صالح بن زياد وعبد الله بن الهيثم قال حدثنا السهمي قال حدثنا أبو عبيدة الناجي عن الحسن قال: "يا ابن آدم طأ الأرض بقدمك، فإنها عن قليل قبرك، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ خرجت من بطن أمك، إنما أنت عدد، فإذا ذهب يوم فقد ذهب بعضك، يوكل بك ملكان كريمان، يكتبان عليك ما تجني على نفسك، فإذا مت طويت صحيفتك، ثم قلدتها في عنقك، ثم تلا: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا لقد عدل عليك ثم جعلك حسيب نفسك".

وبهذا السند عن الحسن قال: "يا ابن آدم، لا يلهيك أهلك الذين أنت ضيف فيهم، عن أهل لا تزايلهم، ولا تلهك مساكن إنما تمر بها عن مساكن أنت خالد فيها. يا ابن آدم، لو رأيت رجلا نزل منزلا في سفر لا يقيم فيه تجمع فيه المقام، ألم تكن في الناس ضحكة؟! يا ابن آدم لكل أمر عدة، وعتاد، وعدة الآخرة وعتادها ثلاث: صقل القلب، وصحة البدن، والسعة في الدنيا، فإذا فعل الله بك ذاك فقد أعذر إليك، ولا معذرة لك إن لم تحسن. يا ابن آدم، إنما تدخل القبر وحدك، ليس عليك من الناس شيء، ولا عليهم منك شيء، ما أقل جدالهم عنك في ذلك الموطن، فقد نفروا لله يا أحمق منك أقرباؤك، وأحباؤك، كل امرئ منهم يقول: نفسي نفسي. يا مسكين، إنما يكرمك اليوم منهم من أكرمك لهذه الروح التي في جسدك، فلو قد انتزع منك نبذوك عنهم، وإن تركت بينهم فروا من البيت الذي أنت فيه".

قال: وحدثنا عبد الله بن الهيثم عن سعيد بن عامر عن عبد الله بن المبارك قال: قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية لأخ له: "يا أخي أترضى حالك هذه للموت؟ قال: لا، قال: فهل أنت مجمع على الانتقال إلى حال ترضاها للموت؟ قال: ما دعتني نفسي إلى ذلك بعد، قال: فهل بعد الموت دار فيها معتمل؟ قال: لا، قال: فهل تأمن الموت أن يأتيك على حالك هذه؟ قال: لا، قال: ما رأيت مثل هذه الحال رضي بها [ ص: 258 ] عاقل". قال: وحدثنا عبد الله بن الهيثم حدثنا العتبي عن أبيه قال: عاد الحسن عليلا فوجده قد أفرق فقال: "يا أيها الرجل، إن الله قد ذكرك فاذكره، وقد أقالك فاشكره". ثم قال: "ضربة سوط من ملك كريم، فإما فرس جواد، وإما حمار عثور". وبهذا السند قال الحسن: "ضرب الله ابن آدم بالأمراض، وضربه بالحاجة، وبالعجز، وجعل مصيره إلى الموت، وإنه مع ذلك لو تاب".

وبهذا السند قال: كتب الحسن إلى فرقد: "أما بعد; فإني أوصيك بتقوى الله، والعمل بما علمك الله، والاستعداد لما لا حيلة لأحد في دفعه، ولا ينفع الندم عند نزوله، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الموتى، وتشمر للسبق، فإن الدنيا ميدان مسابقة، وإن لي ولك من الله مقاما ليسألني فيه وإياك عن الحقير الدقيق، والجليل الجافي، ولا آمن أن يكون فيما يسألني وإياك فيه عن وساوس الصدور، ولحظ العيون، وإصغاء الأسماع، وما أعجز عن وصفه".




الخدمات العلمية