الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5055 5370 - حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها -: قالت هند: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي جناح أن آخذ من ماله ما يكفيني وبني؟ قال: "خذي بالمعروف". [انظر: 2211 - مسلم: 1714 - فتح: 9 \ 514]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث أم سلمة - رضي الله عنهما -: قلت: يا رسول الله، هل لي من أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هم بني؟ قال: "نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم".

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الزكاة، وحديث هند السالف.

                                                                                                                                                                                                                              اختلف العلماء في تأويل قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك فعن ابن عباس عليه أن يضار، وهو قول الشعبي ومجاهد والضحاك ومالك، قالوا: عليه أن لا يضار، ولا غرم عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: ما كان على الوارث من أجرة الرضاع إذا كان الولد لا مال له. ثم اختلفت هذه الطائفة في من الوارث الذي عناه الله تعالى [ ص: 57 ] في الآية على أقوال: فقالت طائفة: هو كل وارث للأب، أخا كان أو عما أو ابن عم أو ابن أخ، روي هذا عن الحسن البصري قال: وعلى الوارث مثل ذلك على الرجال دون النساء . وقال آخرون: هو من ورثته من كان ذا رحم محرم للمولود، فأما من كان ذا رحم وليس بمحرم كابن العم والمولى فليس ممن عناه الله بالآية، هذا قول أبي حنيفة وأصحابه. وقال آخرون: هو المولود نفسه.

                                                                                                                                                                                                                              روي عن قبيصة بن ذؤيب والضحاك وتأولوا: وعلى الوارث : المولود، ما كان على المولود له. وقال آخرون: الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما، وهذا يوجب أن تدخل الأم في الورثة الذين عليهم أجر الرضاع، فيكون عليها رضاع ولدها واجبا إن لم يترك أبوه مالا، روي هذا عن زيد بن ثابت قال: إذا خلف أما أو عما فعلى كل واحد منهما رضاعة بقدر ميراثه. وهو قول الثوري ، وإلى رد هذا القول أشار البخاري بقوله: وهل على المرأة منه شيء؟

                                                                                                                                                                                                                              وتلا الآية الكريمة يعني: من رضاع الصبي ومؤنته، فذكر قوله تعالى: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء ، وشبه منزلة المرأة من الوارث بمنزلة الأبكم الذي لا يقدر على النطق من المتكلم وجعلها كلا على من يعولها.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر حديث أم سلمة، والمعنى فيه أن أم سلمة كانت لها أبناء من أبي سلمة ولم يكن لهم نفقة، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كان لها أجر في [ ص: 58 ] الإنفاق عليهم بما يعطيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرها أن لها أجرا فى ذلك، فدل أن نفقة بنيها لا تجب عليها، ولو وجبت عليها لم تقل له: ولست بتاركتهم، لبين لها أن نفقتهم واجبة عليها سواء تركتهم أو لم تتركهم.

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث هند فإنه - عليه السلام - أطلقها على أخذ نفقة بنيها من مال الأب، ولم يوجبها كما أوجبها على الأب. فاستدل البخاري أنه لم يلزم الأمهات نفقة الأبناء في حياة الآباء، فكذلك لا يلزمهن بموت الآباء.

                                                                                                                                                                                                                              وحجة أخرى: وذلك أن قوله تعالى: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بين أكل ورضاع الأبناء، فكيف يعطين بأول الآية وتجب عليهن نفقة الأبناء في آخرها.

                                                                                                                                                                                                                              وأما من قال وعلى الوارث مثل ذلك هو الولد فيقال له: لو أريد بذلك الولد لقال تعالى: وعلى المولود مثل ذلك، فلما قال وعلى الوارث مثل ذلك وكان الوارث اسما عاما يقع على جماعة غير الولد لم يجز أن يخص به الولد ويقتصر عليه دون غيره إلا بدلالة بينة وحجة واضحة.

                                                                                                                                                                                                                              وأما قول أبي حنيفة في إيجابه رضاع الصبي ونفقته على كل ذي رحم محرم مثل أن يكون له ابن أخت صغير محتاج، وابن عم كذلك، وهو وارثه، فإن النفقة تجب على الخال لابن أخته الذي لا يرثه، ويسقط عن ابن العم لابن عمه الذي يرثه.

                                                                                                                                                                                                                              قال إسماعيل بن إسحاق: فقالوا قولا ليس في كتاب الله، ولا يعلم أحد قاله، وإنما أوجب بعضهم الرضاعة على الوارث; لما تأول من القرآن، وأسقط بعضهم ذلك عنه لما تأول أيضا، وهم الذين قالوا: على الوارث ألا يضار ولا غرم عليه، فأخذ النفقة على كل رحم [ ص: 59 ] محرم، فليس في قولهم تأويل للقرآن، ولا اتباع الحديث، ولا قياس على أجل يرجع إليه، ومذهب مالك في هذا الباب: أنه لا تجب نفقة الصغير إلا على الأب خاصة، وهو المذكور في قوله: وعلى المولود له رزقهن وقوله: فآتوهن أجورهن فلما وجب على الأب الإنفاق على من يرضع أنه وجب عليه النفقة على ولده إذا خرج من الرضاع ما دام صغيرا، ووجب أن يغذى بالطعام كما كان يغذى بالرضاع، ولم تجب النفقة على الوارث لما في تأويل الآية من الاختلاف، وليس مجراهم في النظر مجرى الأب; لأن الأب وجب عليه رضاع ولده حين ولد، ولم يجب على غيره من ورثته، فلا يرجع ذلك عليهم بعد، إن لم يكن واجبا في الأصل إلا بحجة، وكان يجب على قولهم: إذا مات الرجل عن امرأته وهي حامل ولم يخلف مالا أن يلزموا العصب النفقة على المرأة من أجل ما في بطنها، وكان يجب على مذهب أبي حنيفة أن يلزموا كل ذي رحم محرم النفقة على هذه الأم; من أجل ما في بطنها كما يلزمون أجر رضاعه إذا وضعته أمه; لأنهم إنما كانوا يلزمون الرحم النفقة على الأم التي ترضع المولود; من أجل المولود .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية