الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نور

                                                          نور : في أسماء الله تعالى : النور ، قال ابن الأثير : هو الذي يبصر بنوره ذو العماية ويرشد بهداه ذو الغواية ، وقيل : هو الظاهر الذي به كل ظهور ، والظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نورا . قال أبو منصور : والنور من صفات الله - عز وجل - ، قال الله عز وجل : الله نور السماوات والأرض قيل في تفسيره : هادي أهل السماوات والأرض ، وقيل : مثل نوره كمشكاة فيها مصباح أي مثل نور هداه في قلب المؤمن كمشكاة فيها مصباح . والنور : الضياء . والنور : ضد الظلمة . وفي المحكم : النور الضوء أيا كان ، وقيل : هو شعاعه وسطوعه ، والجمع أنوار ونيران ، عن ثعلب . وقد نار نورا واستنار ونور ، الأخيرة عن اللحياني ، بمعنى واحد أي أضاء ، كما يقال : بان الشيء وأبان وبين وتبين واستبان بمعنى واحد . واستنار به : استمد شعاعه . ونور الصبح : ظهر نوره ؛ قال :


                                                          وحتى يبيت القوم في الصيف ليلة يقولون نور صبح والليل عاتم



                                                          وفي الحديث : فرض عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للجد ثم أنارها زيد بن ثابت أي نورها وأوضحها وبينها . والتنوير : وقت إسفار الصبح ، يقال : قد نور الصبح تنويرا . والتنوير : الإنارة . والتنوير : الإسفار . وفي حديث مواقيت الصلاة : أنه نور بالفجر أي [ ص: 380 ] صلاها وقد استنار الأفق كثيرا . وفي حديث علي كرم الله وجهه : نائرات الأحكام ومنيرات الإسلام ، النائرات الواضحات البينات ، والمنيرات كذلك ، فالأولى من نار ، والثانية من أنار ، وأنار لازم ومتعد ، ومنه : ثم أنارها زيد بن ثابت . وأنار المكان : وضع فيه النور . وقوله - عز وجل - : ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور قال الزجاج : معناه من لم يهده الله للإسلام لم يهتد . والمنار والمنارة : موضع النور . والمنارة : الشمعة ذات السراج . ابن سيده : والمنارة التي يوضع عليها السراج ، قال أبو ذؤيب :


                                                          وكلاهما في كفه يزنية فيها     سنان كالمنارة أصلع



                                                          أراد أن يشبه السنان فلم يستقم له فأوقع اللفظ على المنارة . وقوله : أصلع يريد أنه لا صدأ عليه فهو يبرق والجمع مناور على القياس ، ومنائر مهموز على غير قياس ، وقال ثعلب :

                                                          إنما ذلك لأن العرب تشبه الحرف بالحرف ، فشبهوا منارة وهي مفعلة من النور ، بفتح الميم بفعالة فكسروها تكسيرها ، كما قالوا : أمكنة فيمن جعل مكانا من الكون ، فعامل الحرف الزائد معاملة الأصلي ، فصارت الميم عندهم في مكان كالقاف من قذال ، قال : ومثله في كلام العرب كثير . قال : وأما سيبويه فحمل ما هو من هذا على الغلط . الجوهري : الجمع مناور بالواو ؛ لأنه من النور ، ومن قال : منائر وهمز فقد شبه الأصلي بالزائد كما قالوا : مصائب ، وأصله مصاوب . والمنار : العلم ، وما يوضع بين الشيئين من الحدود . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : لعن الله من غير منار الأرض أي أعلامها . والمنار : علم الطريق . وفي التهذيب : المنار العلم والحد بين الأرضين . والمنار : جمع منارة ، وهي العلامة تجعل بين الحدين ، ومنار الحرم : أعلامه التي ضربها إبراهيم الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام على أقطار الحرم ونواحيه ، وبها تعرف حدود الحرم من حدود الحل ، والميم زائدة . قال : ويحتمل معنى قوله لعن الله من غير منار الأرض أراد به منار الحرم ، ويجوز أن يكون لعن من غير تخوم الأرضين ، وهو أن يقتطع طائفة من أرض جاره ، أو يحول الحد من مكانه . وروى شمر عن الأصمعي : المنار العلم يجعل للطريق أو الحد للأرضين من طين أو تراب . وفي الحديث عن أبي هريرة ، رضي الله عنه : إن للإسلام صوى ومنارا . أي علامات وشرائع يعرف بها . والمنارة : التي يؤذن عليها ، وهي المئذنة وأنشد :


                                                          لعك في مناسمها منار     إلى عدنان واضحة السبيل



                                                          والمنار : محجة الطريق . وقوله - عز وجل - : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين قيل : النور هاهنا هو سيدنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي جاءكم نبي وكتاب . وقيل : إن موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام قال : وقد سئل عن شيء : سيأتيكم النور . وقوله - عز وجل - : واتبعوا النور الذي أنزل معه أي اتبعوا الحق الذي بيانه في القلوب كبيان النور في العيون . قال : والنور هو الذي يبين الأشياء ويري الأبصار حقيقتها ، قال : فمثل ما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في القلوب في بيانه وكشفه الظلمات كمثل النور ، ثم قال : يهدي الله لنوره من يشاء ، يهدي به الله من اتبع رضوانه . وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال له ابن شقيق : لو رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنت أسأله : هل رأيت ربك ؟ فقال : قد سألته ، فقال : نور أنى أراه . أي هو نور كيف أراه . قال ابن الأثير : سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال : ما رأيت منكرا له وما أدري ما وجهه . وقال ابن خزيمة : في القلب من صحة هذا الخبر شيء ، فإن ابن شقيق لم يكن يثبت أبا ذر ، وقال بعض أهل العلم : النور جسم وعرض ، والباري تقدس وتعالى ليس بجسم ولا عرض ، وإنما المراد أن حجابه النور ، قال : وكذا روي في حديث أبي موسى - رضي الله عنه - والمعنى كيف أراه وحجابه النور ، أي أن النور يمنع من رؤيته . وفي حديث الدعاء : اللهم اجعل في قلبي نورا ، وباقي أعضائه ، أراد ضياء الحق وبيانه ، كأنه قال : اللهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحق ، واجعل تصرفي وتقلبي فيها على سبيل الصواب والخير . قال أبو العباس : سألت ابن الأعرابي عن قوله : لا تستضيئوا بنار المشركين ، فقال : النار هاهنا الرأي أي لا تشاوروهم ، فجعل الرأي مثلا للضوء عند الحيرة ، قال : وأما حديثه الآخر : أنا بريء من كل مسلم مع مشرك ، فقيل : لم يا رسول الله ؟ ثم قال : لا تراءى ناراهما . قال : إنه كره النزول في جوار المشركين ؛ لأنه لا عهد لهم ولا أمان ، ثم وكده فقال : لا تراءى ناراهما . أي لا ينزل المسلم بالموضع الذي تقابل ناره إذا أوقدها نار مشرك لقرب منزل بعضهم من بعض ، ولكنه ينزل مع المسلمين فإنهم يد على من سواهم . قال ابن الأثير : لا تراءى ناراهما أي لا يجتمعان بحيث تكون نار أحدهما تقابل نار الآخر ، وقيل : هو من سمة الإبل بالنار . وفي صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنور المتجرد أي نير الجسم . يقال للحسن المشرق اللون : أنور ، وهو أفعل من النور . يقال : نار فهو نير ، وأنار فهو منير . والنار : معروفة أنثى ، وهي من الواو لأن تصغيرها نويرة . وفي التنزيل العزيز : أن بورك من في النار ومن حولها قال الزجاج : جاء في التفسير أن من في النار هنا نور الله - عز وجل - ، ومن حولها قيل الملائكة ، وقيل نور الله أيضا . قال ابن سيده : وقد تذكر النار ، عن أبي حنيفة . وأنشد في ذلك :


                                                          فمن يأتنا يلمم بنا في ديارنا     يجد أثرا دعسا ونارا تأججا



                                                          ورواية سيبويه : يجد حطبا جزلا ونارا تأججا ، والجمع أنور ونيران ، انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ، ونيرة ونور ونيار ، الأخيرة عن أبي حنيفة . وفي حديث شجر جهنم : فتعلوهم نار الأنيار ، قال ابن الأثير : لم أجده مشروحا ولكن هكذا روي ، فإن صحت الرواية فيحتمل أن يكون معناه نار النيران بجمع النار على أنيار ، وأصلها أنوار ؛ لأنها من الواو كما جاء في ريح وعيد أرياح وأعياد ، وهما من الواو . وتنور النار : نظر إليها أو أتاها . وتنور الرجل : نظر إليه عند النار من حيث لا يراه . وتنورت النار من بعيد أي تبصرتها . وفي الحديث : الناس شركاء في ثلاثة : الماء والكلأ والنار . أراد ليس لصاحب النار أن يمنع من أراد أن يستضيء منها أو يقتبس ، وقيل : أراد بالنار الحجارة التي توري النار ، أي لا يمنع أحد أن يأخذ منها . وفي حديث الإزار : وما كان أسفل من ذلك فهو في النار ، معناه أن ما دون [ ص: 381 ] الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل في النار عقوبة له على فعله ، وقيل : معناه أن صنيعه ذلك وفعله في النار أي أنه معدود محسوب من أفعال أهل النار . وفي الحديث : أنه قال لعشرة أنفس فيهم سمرة : آخركم يموت في النار ، قال ابن الأثير : فكان لا يكاد يدفأ فأمر بقدر عظيمة فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ فوقها مجلسا ، وكان يصعد بخارها فيدفئه ، فبينا هو كذلك خسفت به فحصل في النار ، قال : فذلك الذي قال له ، والله أعلم . وفي حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه : العجماء جبار والنار جبار ، قيل : هي النار التي يوقدها الرجل في ملكه فتطيرها الريح إلى مال غيره فيحترق ولا يملك ردها فيكون هدرا . قال ابن الأثير : وقيل : الحديث غلط فيه عبد الرزاق وقد تابعه عبد الملك الصنعاني ، وقيل : هو تصحيف البئر ، فإن أهل اليمن يميلون النار فتنكسر النون ، فسمعه بعضهم على الإمالة فكتبه بالياء ، فقرؤوه مصحفا بالياء ، والبئر هي التي يحفرها الرجل في ملكه ، أو في موات فيقع فيها إنسان فيهلك فهو هدر ، قال الخطابي : لم أزل أسمع أصحاب الحديث يقولون غلط فيه عبد الرزاق حتى وجدته لأبي داود من طريق أخرى . وفي الحديث : فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا ، قال ابن الأثير : هذا تفخيم لأمر البحر وتعظيم لشأنه وإن الآفة تسرع إلى راكبه في غالب الأمر كما يسرع الهلاك من النار لمن لابسها ودنا منها . والنار : السمة ، والجمع كالجمع ، وهي النورة . ونرت البعير : جعلت عليه نارا . وما به نورة أي وسم . الأصمعي : وكل وسم بمكوى ، فهو نار ، وما كان بغير مكوى ، فهو حرق وقرع وقرم وحز وزنم . قال أبو منصور : والعرب تقول : ما نار هذه الناقة أي ما سمتها ، سميت نارا ؛ لأنها بالنار توسم ، وقال الراجز :


                                                          حتى سقوا آبالهم بالنار     والنار قد تشفي من الأوار



                                                          أي سقوا إبلهم بالسمة ، أي إذا نظروا في سمة صاحبه عرف صاحبه ، فسقي وقدم على غيره لشرف أرباب تلك السمة وخلوا لها الماء . ومن أمثالهم : نجارها نارها أي سمتها تدل على نجارها يعني الإبل ، قال الراجز يصف إبلا سمتها مختلفة :


                                                          نجار كل إبل نجارها     ونار إبل العالمين نارها



                                                          يقول : اختلفت سماتها لأن أربابها من قبائل شتى فأغير على سرح كل قبيلة واجتمعت عند من أغار عليها سمات تلك القبائل كلها . وفي حديث صعصعة بن ناجية جد الفرزدق : وما ناراهما أي ما سمتها التي وسمتا بها يعني ناقتيه الضالتين ، والسمة : العلامة . ونار المهول : نار كانت للعرب في الجاهلية يوقدونها عند التحالف ويطرحون فيها ملحا يفقع ، يهولون بذلك تأكيدا للحلف . والعرب تدعو على العدو فتقول : أبعد الله داره وأوقد نارا إثره ، قال ابن الأعرابي : قالت العقيلية : كان الرجل إذا خفنا شره فتحول عنا أوقدنا خلفه نارا ، قال فقلت لها : ولم ذلك ؟ قالت : ليتحول ضبعهم معهم أي شرهم ؛ قال الشاعر :


                                                          وجمة أقوام حملت ولم     أكن كموقد نار إثرهم للتندم



                                                          الجمة : قوم تحملوا حمالة فطافوا بالقبائل يسألون فيها ، فأخبر أنه حمل من الجمة ما تحملوا من الديات ، قال : ولم أندم حين ارتحلوا عني فأوقد على أثرهم . ونار الحباحب : قد مر تفسيرها في موضعه . والنور والنورة جميعا : الزهر ، وقيل : النور الأبيض والزهر الأصفر ، وذلك أنه يبيض ثم يصفر ، وجمع النور أنوار . والنوار بالضم والتشديد : كالنور ، واحدته نوارة ، وقد نور الشجر والنبات . الليث : النور نور الشجر ، والفعل التنوير ، وتنوير الشجرة إزهارها . وفي حديث خزيمة : لما نزل تحت الشجرة أنورت أي حسنت خضرتها ، من الإنارة ، وقيل : إنها أطلعت نورها وهو زهرها . يقال : نورت الشجرة وأنارت ، فأما أنورت فعلى الأصل ، وقد سمى خندف بن زياد الزبيري إدراك الزرع تنويرا ، فقال :

                                                          سامى طعام الحي حتى نورا

                                                          وجمعه عدي بن زيد فقال :


                                                          وذي تناوير ممعون له صبح     يغذو أوابد قد أفلين أمهارا



                                                          والنور : حسن النبات وطوله ، وجمعه نورة . ونورت الشجرة وأنارت أيضا أي أخرجت نورها . وأنار النبت وأنور : ظهر وحسن . والأنور : الظاهر الحسن ، ومنه في صفته - صلى الله عليه وسلم - كان أنور المتجرد . والنورة : الهناء . التهذيب : والنورة من الحجر الذي يحرق ويسوى منه الكلس ويحلق به شعر العانة . قال أبو العباس : يقال انتور الرجل وانتار من النورة ، قال : ولا يقال تنور إلا عند إبصار النار . قال ابن سيده : وقد انتار الرجل وتنور تطلى بالنورة ، قال : حكى الأول ثعلب ، وقال الشاعر :


                                                          أجدكما لم تعلما أن جارنا     أبا الحسل بالصحراء لا يتنور



                                                          التهذيب : وتأمر من النورة ، فتقول : انتور يا زيد وانتر كما تقول اقتول واقتل ، وقال الشاعر في تنور النار :


                                                          فتنورت نارها من بعيد     بخزازى هيهات منك الصلاء



                                                          قال : ومنه قول ابن مقبل :


                                                          كربت حياة النار للمتنور



                                                          والنوور : النيلج ، وهو دخان الشحم يعالج به الوشم ويحشى به حتى يخضر ، ولك أن تقلب الواو المضمومة همزة . وقد نور ذراعه إذا غرزها بإبرة ثم ذر عليها النؤور . والنؤور : حصاة مثل الإثمد تدق فتسفها اللثة أي تقمحها ، من قولك : سففت الدواء . وكان نساء الجاهلية يتشمن بالنؤور ، ومنه قول بشر :


                                                          كما وشم الرواهش بالنؤور



                                                          وقال الليث : النؤور دخان الفتيلة يتخذ كحلا أو وشما ، قال أبو منصور : أما الكحل فما سمعت أن نساء العرب اكتحلن بالنؤور ، وأما الوشم به فقد جاء في أشعارهم ، قال لبيد :


                                                          أو رجع واشمة أسف نؤورها     كففا تعرض فوقهن وشامها



                                                          التهذيب : والنؤور دخان الشحم الذي يلتزق بالطست وهو الغنج أيضا . والنؤور والنوار : المرأة النفور من الريبة ، والجمع نور . غيره : النور جمع نوار ، وهي النفر من الظباء والوحش وغيرها ، قال [ ص: 382 ] مضرس الأسدي وذكر الظباء وأنها كنست في شدة الحر :


                                                          تدلت عليها الشمس حتى كأنها     من الحر ترمي بالسكينة نورها



                                                          وقد نارت تنور نورا ونوارا ونوارا ، ونسوة نور أي نفر من الريبة ، وهو فعل مثل قذال وقذل ، إلا أنهم كرهوا الضمة على الواو لأن الواحدة نوار وهي الفرور ، ومنه سميت المرأة ، قال العجاج :

                                                          يخلطن بالتأنس النوارا الجوهري : نرت من الشيء أنور نورا ونوارا ، بكسر النون قال مالك بن زغبة الباهلي يخاطب امرأة :


                                                          أنورا سرع ماذا يا فروق     وحبل الوصل منتكث حذيق



                                                          أراد أنفارا يا فروق ، وقوله سرع ماذا : أراد سرع فخفف ، قال ابن بري في قوله :


                                                          أنورا سرع ماذا يا فروق



                                                          قال : الشعر لأبي شقيق الباهلي واسمه جزء بن رباح قال : وقيل : هو لزغبة الباهلي ، قال : وقوله أنورا بمعنى أنفارا سرع ذا يا فروق أي ما أسرعه ، وذا فاعل سرع وأسكنه للوزن ، وما زائدة . والبين هاهنا : الوصل ، ومنه قوله تعالى : لقد تقطع بينكم أي وصلكم قال : ويروى : وحبل البين منتكث . ومنتكث : منتقض . وحذيق : مقطوع ، وبعده :


                                                          ألا زعمت علاقة أن سيفي     يفلل غربه الرأس الحليق



                                                          وعلاقة : اسم محبوبته ، يقول : أزعمت أن سيفي ليس بقاطع ، وأن الرأس الحليق يفلل غربه ؟ وامرأة نوار : نافرة من الشر والقبيح . والنوار : المصدر ، والنوار : الاسم ، وقيل : النوار النفار من أي شيء كان ، وقد نارها ونورها واستنارها ، قال ساعدة بن جؤية يصف ظبية :


                                                          بواد حرام لم ترعها حباله     ولا قانص ذو أسهم يستنيرها



                                                          وبقرة نوار : تنفر من الفحل . وفي صفة ناقة صالح على نبينا وعليه الصلاة والسلام : هي أنور من أن تحلب أي أنفر . والنوار : النفار . ونرته وأنرته : نفرته . وفرس وديق نوار إذا استودقت وهي تريد الفحل ، وفي ذلك منها ضعف ترهب صولة الناكح . ويقال : بينهم نائرة أي عداوة وشحناء . وفي الحديث : كانت بينهم نائرة أي فتنة حادثة وعداوة . ونار الحرب ونائرتها : شرها وهيجها . ونرت الرجل : أفزعته ونقرته ؛ قال :


                                                          إذا هم ناروا وإن هم     أقبلوا أقبل ممساح أريب مفضل



                                                          ونار القوم وتنوروا انهزموا . واستنار عليه : ظفر به وغلبه ، ومنه قول الأعشى :


                                                          فأدركوا بعض ما أضاعوا     وقابل القوم فاستناروا



                                                          ونورة : اسم امرأة سحارة ، ومنه قيل : هو ينور عليه أي يخيل ، وليس بعربي صحيح . الأزهري : يقال فلان ينور على فلان إذا شبه عليه أمرا ، قال : وليست هذه الكلمة عربية وأصلها أن امرأة كانت تسمى نورة وكانت ساحرة ، فقيل لمن فعل فعلها : قد نور فهو منور . قال زيد بن كثوة : علق رجل امرأة فكان يتنورها بالليل ، والتنور مثل التضوء ، فقيل لها : إن فلانا يتنورك لتحذره فلا يرى منها إلا حسنا ، فلما سمعت ذلك رفعت مقدم ثوبها ثم قابلته ، وقالت : يا متنورا هاه ، فلما سمع مقالتها وأبصر ما فعلت ، قال : فبئسما أرى هاه ، وانصرفت نفسه عنها ، فصيرت مثلا لكل من لا يتقي قبيحا ولا يرعوي لحسن . ابن سيده : وأما قول سيبويه في باب الإمالة ابن نور فقد يجوز أن يكون اسما سمي بالنور الذي هو الضوء أو بالنور الذي هو جمع نوار ، وقد يجوز أن يكون اسما صاغه لتسوغ فيه الإمالة فإنه قد يصوغ أشياء فتسوغ فيها الإمالة ويصوغ أشياء أخر لتمتنع فيها الإمالة . وحكى ابن جني فيه : ابن بور ، بالباء ، كأنه من قوله تعالى : وكنتم قوما بورا وقد تقدم . ومنور : اسم موضع صحت فيه الواو صحتها في مكورة للعلمية ، قال بشر بن أبي خازم :


                                                          أليلى على شحط المزار     تذكر ؟ ومن دون ليلى ذو بحار



                                                          ومنور قال الجوهري : وقول بشر :


                                                          ومن دون ليلى ذو بحار ومنور



                                                          قال : هما جبلان في ظهر حرة بني سليم . وذو المنار : ملك من ملوك اليمن واسمه أبرهة بن الحارث الرايش ، وإنما قيل له ذو المنار ؛ لأنه أول من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية