الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يجب ) ( وضع يديه ) أي بطنهما ، ( وركبتيه وقدميه ) في سجوده ( في الأظهر ) لقوله تعالى { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } وللخبر المتقدم { إذا سجدت فمكن جبهتك } فإفرادها بالذكر دليل على مخالفتها ، ولأنه لو وجب وضعها لوجب الإيماء بها عند العجز عن وضعها والإيماء بها غير واجب فلم يجب وضعها ، ولأن المقصود منه وضع أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام وهو خصيص بالجبهة ، ويتصور رفع جميعها كأن يصلي على حجرين بينهما حائط قصير ينبطح عليه عند سجوده ويرفعها ( قلت : الأظهر وجوبه والله أعلم ) وإن كانت مستورة لخبر الشيخين { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين } ولخبر البخاري { أنه صلى الله عليه وسلم سجد واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة } ومن لازم ذلك اعتماده على بطونها ، ومراده باليدين بطن الكف من كل منهما [ ص: 512 ] والراحة وبطون الأصابع دون ظهره وحرفه ورءوسها .

                                                                                                                            ويؤخذ من ذلك ضبط الباطن بما ينقض منه الذكر ، واكتفى ببعض كل وإن كره قياسا على ما مر لما سبق في الجبهة ، وأفهم كلامه عدم وجوب وضع الأنف وهو كذلك كما سيأتي ، والمراد بالقدمين بطون أصابعهما ، فلو تعذر وضع شيء من هذه الأعضاء سقط الفرض بالنسبة إليه ، فلو قطعت يده من الزند لم يجب وضعه ولا وضع رجل قطعت أصابعها لفوات محل الفرض ، ولو خلق له رأسان وأربع أيد وأربع أرجل فهل يجب عليه وضع بعض كل من الجبهتين وما بعدهما مطلقا ، أو يفصل بين كون البعض زائدا أو لا ؟ أفتى الوالد رحمه الله تعالى بأنه إن عرف الزائد فلا اعتبار به ، وإلا أي وإن لم يعرف الزائد بأن علم أصالتها كفى في الخروج عن عهدة الوجوب سبعة أعضاء منها : أي إحدى الجبهتين ويدين وركبتين وأصابع رجلين للحديث .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وركبتيه ) قال حج : تنبيه : لم أر لأحد من أئمتنا تحديد الركبة ، وعرفها في القاموس بأنها مفصل ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالي الساق ا هـ .

                                                                                                                            وصريح ما يأتي في الثامن وما بعده أنها من أول المنحدر عن آخر الفخذ إلى أول أعلى الساق ، وعليه فكأنهم اعتمدوا في ذلك العرف لبعد تقييد الأحكام بحدها اللغوي لقلته جدا ، إلا أن يقال : أرادوا بالمفصل ما قررناه وهو قريب ، ثم رأيت الصحاح قال : والركبة معروفة فبين أن المدار فيها على العرف والكلام في الشرع وهو يدل على أن القاموس إن لم تحمل عبارته على ما ذكرناه اعتمد في حده لها بذلك عليه ، وكثيرا ما يقع له الخروج عن اللغة إلى غيرها كما يأتي أول التعزير ا هـ ( قوله وهو خصيص ) أي مخصوص ( قوله : ويتصور ) أي على هذا القول ( قوله : على الجبهة واليدين ) في المحلي إسقاط على من قوله على الجبهة إلخ ، ولعل في الحديث روايتين ( قوله والركبتين ) أي فلو منع من السجود عليهما مانع كأن جمعت ثيابه تحت ركبتيه فمنعت من وصول الركبة لمحل السجود وصار الاعتماد على أعلى الساق لم يكف ( قوله : بطن الكف من كل منهما ) وانظر لو خلق كفه مقلوبا هل يجب وضع ظهر الكف أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأن الظهر في حقه بمنزلة البطن في حق غيره ، وبقي ما لو عرض له الانقلاب هل يجب وضع البطن وإن شق عليه أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أنه إن أمكن ذلك ولو [ ص: 512 ] بمعين وجب وإلا فلا .

                                                                                                                            قال شيخنا العلامة الشوبري : وانظر لو خلق بلا كف وبلا أصابع هل يقدر لهما مقدارهما ويجب وضع ذلك أو لا ؟ أقول : قياس النظائر تقدير ما ذكر كما لو خلقت يده بلا مرفق وذكره بلا حشفة من أنه يقدر لهما من معتدلهما عادة ( قوله : دون ظهره ) أي الكف ، والأولى ظهرها لأن الكف مؤنثة في الأكثر ( قوله : واكتفى ببعض كل ) فائدة مستأنفة ( قوله : قياسا على ما مر ) أي من الاكتفاء ببعض الجبهة ( قوله : لما سبق في الجبهة ) من قوله لصدق اسم السجود بذلك ( قوله : ولو قطعت يده من الزند ) عبارة المختار : الزند موصل طرف الذراع في الكف ، وهما زندان الكوع والكرسوع .

                                                                                                                            ثم قال : والجمع زناد بالكسر وأزند وأزناد ا هـ ( قوله : لم يجب ) وهل يستحب كما يستحب غسل ما فوق ما يجب غسله في الضوء إذا قطع من فوقه أو لا ؟ ويفرق بأن ذاك يستحب غسله لو كان العضو سليما فبقي الاستحباب بحاله بعد القطع ، ولا يستحب وضع ما فوق الكفين هنا وموضع الفرض قد فات ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول حتى لا يخلو عن وضع اليد ، كما قيل يستحب لمن لا شعر برأسه إمرار الموسى تشبيها بالحالق ، ثم رأيت سم على حج صرح بما ذكر حيث قال : وهل يسن فيه نظر ؟ ولا يبعد أن يسن ( قوله : فلا اعتبار به ) ظاهره وإن كان على سنن الأصلي .

                                                                                                                            وقياس ما مر من النقض بمس الزائد إذا كان على سنن الأصلي أن يعامل هنا معاملة الأصلي إلا أن يفرق بأن النقض ثم بالزائد المسامت لكونه مظنة الشهوة فاحتيط فيه ، والمطلوب هنا وضع جزء من الأعضاء المذكورة ، والزائد لا يسمى بواحد منها فلم يكتف بوضعه ولا يعلق به حكم ( قوله : بأن علم ) فإن اشتبه الأصلي بالزائد فالقياس وجوب وضع جزء من كل منها ، ويشترط اجتماعها في آن واحد ليتحقق اجتماع الأعضاء الأصلية .

                                                                                                                            ثم رأيت سم على حج صرح بذلك حيث قال : وإن اشتبه الزائد بالأصلي وجب السجود على الجميع بأن يسجد على بعض كل من الجميع إذ لا يتحقق الخروج عن العهدة إلا بذلك م ر ا هـ ( قوله : ويدين ) أي من الجهتين ، ولا يكفي وضعهما من جهة واحدة لأنها كيد واحدة وهي لا تكفي .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 512 ] ( قوله : والراحة وبطون الأصابع ) عطف تفسير ; لأن هذين هما مسمى بطن الكف ( قوله : قياسا على ما مر ) أي : الجبهة ، وقوله لما سبق : أي فيها من صدق الاسم بذلك ( قوله : بأن علم أصالتها ) سكت عما لو اشتبه الزائد بالأصلي [ ص: 513 ] وعن الزيادي أنه لا بد من وضع الجميع ، لكنه جعل مثل ذلك ما إذا علمت أصالة الجميع




                                                                                                                            الخدمات العلمية