الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إيماء الأخرس وكتابته كالبيان ) باللسان ( بخلاف معتقل اللسان ) وقال الشافعي : هما سواء في وصية [ ص: 738 ] ونكاح وطلاق وبيع وشراء وقود وغيرها من الأحكام : أي إيماء الأخرس فيما يذكر معتبر ، ومثله معتقل اللسان إن علمت إشارته وامتدت عقلته إلى موته به يفتى . قلت : ومر في الوصايا وذكره هنا الأكمل وابن الكمال والزيلعي وغيرهم . ثم مفاد كلامهم أنه لو أقر بالإشارة أو طلق مثلا توقف فإن مات على عقلته نفذ مستندا وإلا لا وعليه ، فلو تزوج بالإشارة لا يحل له وطؤها لعدم نفاذه ، لكنه إذا مات بحاله كان لها المهر من تركته قاله المصنف . لكن ذكر ابنه في الزواهر عند ذكر الأشباه الأحكام الأربعة أن قولهم والضابط للمقتصر والمستند أن ما صح تعليقه بالشرط يقع مقتصرا وما لا يصح تعليقه يقع مستندا كما في البحر من باب التعليق يخالف ذلك إذ مقتضاه وقوع الطلاق والعتاق ونحوهما مما يصح تعليقه بالشرط مقتصر فتنبه ( لا ) تكون إشارته وكتابته كالبيان ( في حد ) [ ص: 739 ] لأنها تدرأ بالشبهة لكونها حق الله تعالى ولا في شهادة ما منية وهل يصح إسلامه بالإشارة ؟ ظاهر كلامهم نعم ولم أره صريحا أشباه .

التالي السابق


( قوله إيماء الأخرس ) أي إشارته بحاجب أو يد أو غير ذلك إذا عرف القاضي إشارته ، وإلا ينبغي أن يستخبر ممن يعرفها من إخوانه وأصدقائه وجيرانه حتى يقول بين يدي القاضي أراد بهذه الإشارة كذا ويفسر ذلك ويترجم حتى يحيط علم القاضي بذلك ، وينبغي أن يكون عدلا مقبول القول ، لأن الفاسق لا قول له بيري عن الولوالجية ، وإطلاقه يفيد اعتبار الإيماء مع قدرته على الكتابة وهو المعتمد ، لأن كلا منهما حجة ضرورة كما في القهستاني وغيره در منتقى ( قوله وكتابته ) اعترض المقدسي بأن الأخرس الخلفي لا يعرف الكتابة ولا يمكن تعريفه إياها لأنها بإزاء الألفاظ المركبة من الحروف وهو لا ينطق ولا يسمع النطق ا هـ . أقول : يمكن ذلك بتعريفه أن المعنى الفلاني يدل عليه بهذه الحروف المنقوشة على هذه الصورة تأمل ( قوله بخلاف معتقل اللسان ) بفتح القاف ، يقال : اعتقل لسانه بضم التاء إذا احتبس عن الكلام ولم يقدر عليه مغرب أي فلا يعتبر إيماؤه ولا كتابته إلا إذا امتدت عقلته كما يأتي وذلك لأن العارض على شرف الزوال فلا يقاس على الخرس الأصلي . ثم اعلم أن هذا في كتابة غير مرسومة أي غير معتادة ، لما في التبيين وغيره أن الكتاب على ثلاث مراتب : مستبين مرسوم وهو أن يكون معنونا : أي مصدرا بالعنوان ، وهو أن يكتب في صدره من فلان إلى فلان على ما جرت به العادة فهذا كالنطق فلزم حجة . ومستبين غير مرسوم كالكتابة على الجدران وأوراق الأشجار أو على الكاغد لا على الوجه المعتاد فلا يكون حجة إلا بانضمام شيء آخر إليه كالنية والإشهاد عليه والإملاء على الغير حتى يكتبه لأن الكتابة قد تكون للتجربة ونحوها ، وبهذه الأشياء تتعين الجهة وقبل الإملاء بلا إشهاد لا يكون حجة والأول أظهر . وغير مستبين كالكتابة على الهواء أو الماء وهو بمنزلة كلام غير مسموع ولا يثبت به شيء من الأحكام وإن نوى ا هـ .

والحاصل أن الأول صريح والثاني كناية والثالث لغو . وبقي صورة رابعة عقلية لا وجود لها وهي مرسوم غير مستبين وهذا كله في الناطق ففي غيره بالأولى ، لكن في الدر المنتقى عن الأشباه أنه في حق الأخرس يشترط أن يكون معنونا وإن لم يكن لغائب ا هـ . وظاهره أن المعنوي من الناطق الحاضر غير معتبر . وفي الأشباه : رجل كتب صك وصية وأشهد بما فيه ولم يقرأ وصيته عليهم قالوا لا يجوز للشهود أن يشهدوا [ ص: 738 ] بما فيه وهو الصحيح ا هـ أي لأن الشهادة لا تكون إلا عن علم ( قوله ومثله معتقل إلخ ) الأولى في التعبير لا معتقل اللسان ، إلا إن علمت إشارته إلخ تأمل ( قوله به يفتى ) هو رواية عن الإمام ، ومقابله ما في الكفاية عن الإمام التمرتاشي تقديره بسنة ، قال في الدر المنتقى : واستثنى العمادي المريض إذا طال عليه الاعتقال فإنه كالأخرس كما أفاده البرجندي معزيا للعمادية خلافا لما نقله القهستاني عنها ، فإنه إنما ذكره فيمن يرجى منه الكلام فافهم المرام ا هـ وعبارة القهستاني : فلو أصابه فالج فذهب لسانه أو مرض فلم يقدر على الكلام بضعفه إلا أنه عاقل فأشار برأسه إلى وصية فقد صح وصيته ، وقال أصحابنا إنها لم تصح كما في العمادي ا هـ ( قوله أو طلق مثلا ) أي كما إذا أعتق ط .

( قوله نفذ مستندا ) فلها أن تتزوج إن مضت عدتها من وقت الإشارة أو الكتابة وينفذ تصرف المعتوق من ذلك الوقت ط ( قوله لعدم نفاذه ) لأن نفاذه موقوف على موته على عقلته ، لا على إجازته ، حتى يقال : ينبغي أن يكون طلبه الوطء دليلا على إرادة النكاح فافهم ( قوله لكن ذكر ابنه إلخ ) استدراك على قوله : نفذ مستندا حتى في الطلاق والعتاق ( قوله الأحكام الأربعة ) التي هي الاقتصار كما في إنشاء الطلاق والعتاق والانقلاب ، كما إذا علق الطلاق والعتاق بالشرط ، فعند وجود الشرط ينقلب ما ليس بعلة علة والاستناد كالمضمونات تملك عند أداء الضمان مستندة إلى وقت وجود السبب والتبين ، مثل أن كان زيد اليوم في الدار فأنت طالق ، وتبين في الغد وجوده فيها يقع الطلاق في اليوم ، وتعتد منه والفرق بين التبيين والاستناد أنه في التبيين يمكن أن يطلع عليه العباد وفي الاستناد لا يمكن ا هـ من الأشباه ملخصا ، وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب الطلاق الصريح ( قوله أن قولهم ) مفعول ذكر ، وقوله : والضابط إلخ مقول القول ، وجملة يخالف خبر إن ( قوله يخالف ذلك ) أي يخالف القول بالاستناد في نحو : طلاق معتقل اللسان وعتاقه ط . أقول : وعبارة البحر عند قول الكنز والتعليق إنما يصح في الملك أو مضافا إليه .

ثم اعلم أن المراد بالصحة اللزوم ، فإن التعليق في غير الملك ، والمضاف إليه صحيح موقوف على إجازة الزوج حتى لو قال أجنبي لزوجة إنسان إن دخلت الدار فأنت طالق توقف على الإجازة ، فإن أجازه لزم التعليق ، فتطلق بالدخول بعد الإجازة لا قبلها ، وكذا الطلاق المنجز من الأجنبي موقوف على إجازة الزوج ، فإذا أجازه وقع مقتصرا على وقت الإجازة ، ولا يستند بخلاف البيع الموقوف فإنه بالإجازة يستند إلى وقت البيع ، حتى ملك المشتري الزوائد المتصلة والمنفصلة والضابط فيه أن ما صح تعليقه بالشرط فإنه يقتصر وما لا يصح تعليقه فإنه يستند ا هـ فأنت تراه لم يجعل الضابط لكل مقتصر ومستند بل لنوع خاص منه ، وهو عقد الفضولي المتوقف على الإجازة وإلا لزم أن لا يقع نحو الطلاق والعتاق إلا مقتصرا في جميع الصور وليس كذلك قطعا لما مر عن الأشباه ، وحينئذ فلا مخالفة إذ ليست مسألتنا من هذا القبيل فتدبر ( قوله في حد ) تناول جميع أنواع الحد أي لا يحد الأخرس إذا كان [ ص: 739 ] قاذفا بالإشارة أو الكتابة ، وكذا إذا أقر بالزنا أو السرقة أو الشرب ، لأن المقر على نفسه ببعض الأسباب الموجبة للعقوبة ما لم يذكر اللفظ الصريح لا يستوجب العقوبة كفاية زاد في الهداية ، ولا يحد له أي حد القذف خاصة إذا كان مقذوفا ا هـ .

( قوله لأنها تدرأ بالشبهة إلخ ) والفرق بينها وبين القصاص : أن الحد لا يثبت ببيان فيه شبهة ألا ترى أنه لو شهدوا بالوطء الحرام ، أو أقر بالوطء الحرام لا يجب الحد ولو شهدوا بالقتل المطلق ، أو أقر بمطلق القتل يجب القصاص ، وإن لم يوجد التعمد لأن القصاص فيه معنى العوضية ، لأنه شرع جابرا ، فجاز أن يثبت مع الشبهة كسائر المعاوضات التي هي حق العبد . أما الحدود الخالصة لله تعالى شرعت زاجرة وليس فيها معنى العوضية ، فلا تثبت مع الشبهة لعدم الحاجة هداية ، وقد اعترض العلامة الطوري كلامهم هنا بأنهم سووا بين الحدود والقصاص في أن كلا منهما يدرأ بالشبهة كما صرحوا به في مواضع كثيرة منها الكفالة فلا تجوز بالنفس فيهما ، ومنها الوكالة فلا تجوز باستيفائهما ، ومنها الشهادة على الشهادة لا تجوز فيها ، وعللوا جميع ذلك بأنهما مما يدرأ بالشبهة ، وكذا في كتاب الدعوى والجنايات وفرعوا على ذلك مسائل كثيرة ا هـ ملخصا ( قوله ولا في شهادة ما ) نقل في فتح القدير عن المبسوط أنه إجماع الفقهاء ، لأن لفظ الشهادة لا يتحقق منه وتمامه فيه ( قوله ظاهر كلامهم ) نعم تقدم في كتاب الإقرار صريحا حيث قال والإيماء بالرأس من الناطق ليس بإقرار بمال وعتق وطلاق وبيع ونكاح وإجارة وهبة ، بخلاف إفتاء ونسب وإسلام وكفر إلخ




الخدمات العلمية