الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو دفع إليه الأرض على أن يزرعها ببذره سنته هذه على أن يزرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان ، وإن زرعها شعيرا فلصاحب الأرض ثلثه ، وإن زرعها سمسما فلصاحب الأرض ربعه ، فهذا جائز على ما اشترطا لما بينا أن أوان لزوم العقد ، وانعقاد الشركة عند إلقاء البذر في الأرض ، وعند ذلك المعقود عليه معلوم والبذر معلوم . والجهالة قبل ذلك لا تفضي إلى المنازعة ، وإن زرعها بعضها حنطة ، وبعضها شعيرا ، وبعضها سمسما فذلك جائز في كل نوع على ما اشترطا اعتبارا للبعض بالكل ; لأنه لما رضي رب الأرض بأن يزرع كلها على صفة يكون راضيا بأن يزرع بعضها على تلك الصفة ، وبذلك البذر ، كما في المسألة الأولى ، وكذلك لو دفع إليه أرضا ثلاثين سنة على أن ما زرع فيها من حنطة أو شعير أو شيء من غلة الصيف أو الشتاء فهو بينهما نصفان ، وما غرس فيها من نخل أو شجر أو كرم فهو بينهما أثلاثا فلصاحب الأرض الثلث ، وللعامل الثلثان ، فهو بينهما على ما اشترطا سواء زرع الكل على أحد النوعين أو زرع بعضها ، وجعل في بعضها كرما قال : ولا يشبه البيوع في هذا الإجارات ، والإجارات في مثل هذا تجوز ، وذكر حماد عن إبراهيم - رحمه الله - قال سألته عن الأجير ، أقول له : إن عملت في كذا كذا فبكذا ، وإن عملت كذا فبكذا ؟ فقال : لا بأس به إنما يكره ذلك في البيوع . قيل : معنى هذا الفرق أن في البيوع إذا اشترى أحد شيئين ، وسمى لكل واحد منهما ثمنا ، ولم يشترط الخيار ثلاثة أيام لواحد منهما كان العقد فاسدا ، وفي الإجارات يكون العقد صحيحا بدون شرط الخيار ، كما في مسألة الخياطة والمزارعة ; لأن الثمن في البيع يجب بنفس العقد ، والعقد يلزم بنفسه فإذا لم يشترط الخيار فيه كان المعقود عليه مجهولا ، والثمن مجهولا عند لزوم العقد ، وهذه الجهالة تفضي إلى المنازعة ، وفي باب المزارعة العقد لا يلزم من جانب من البذر من قبله قبل إلقاء البذر في الأرض ، وفي الإجارة العقد ، وإن كان يلزم بنفسه ، ولكن البدل [ ص: 42 ] لا يجب إلا بالعمل ، وعند ذلك العمل والبدل معلوم ، وجهالة صفة العمل قبل ذلك لا تفضي إلى المنازعة ، وقيل : بل مراده من هذا الفرق أن في البيع إذا قال : إلى شهر بكذا أو إلى شهرين بكذا فهذا يكون مفسدا للعقد لجهالة مقدار الثمن عند وجوبه بالعقد ، وفي الإجارة وجوب البدل عند إقامة العمل ، وكذلك في المزارعة انعقاد الشركة عند إلقاء البذر في الأرض ، وعند ذلك هو معلوم ، وفي بعض النسخ قال : ولا يشبه هذا البيوع والإجارات ، فهو إشارة إلى الفرق بين المزارعة والبيع والإجارة ، إذ في المزارعة له أن يزرع بعضها حنطة ، وبعضها شعيرا ، وفي الإجارة في مسألة الخياطة ليس له مثل ذلك ، وكذلك في البيع إذا اشترى أحد الثوبين على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء ، وسمى لكل واحد منهما ثمنا ليس له أن يلتزم العقد في نصف كل واحد منهما لما في التبعيض في البيع والإجارة من الضرر على البائع ، وعلى صاحب الثوب ، وذلك لا يوجد في المزارعة ; لأنه ليس في زرعه البعض حنطة والبعض شعيرا معنى الإضرار بصاحب الأرض ، ثم فرق أبو يوسف - رحمه الله - ومحمد - رحمه الله - بين الإجارة والمزارعة فيما إذا استأجر بيتا على أنه إن قعد فيه طحانا فله عشرة دراهم وإن قعد يبيع الطعام فيه فأجره خمسة دراهم فالعقد فاسد في قولهما ، وهو قول أبي حنيفة الأول - رحمه الله - وقد بينا المسألة في الإجارات ، والفرق لهما بين هذه المسألة ، وبين مسألة المزارعة أن هناك يجب الأجر بالتخلية وإن لم يسكنها المستأجر ، وعند التخلية مقدار ما يجب عليه من الأجر مجهول ، وأما في المزارعة فالشركة لا تنعقد إلا بإلقاء البذر في الأرض ، وعند ذلك حصة كل واحد منهما معلومة ، فيكون هذا قياس مسألة الخياطة الرومية والفارسية على ما بينا

التالي السابق


الخدمات العلمية