الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        496 472 - أما حديثه عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر ، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ ، من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ " .

                                                                                                                        [ ص: 147 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 147 ] 10808 - فهو حديث ثابت عند أهل العلم بالحديث ، وطرقه كثيرة صحاح بألفاظ متقاربة ومعنى واحد .

                                                                                                                        10809 - من أحسن الألفاظ في هذا الحديث وأفقرها من سوء التأويل ما حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال : أخبرنا عمر بن حفص بن غياث قال : حدثنا أبي قال : حدثنا الأعمش قال : حدثنا أبو إسحاق السبيعي قال : حدثنا أبو مسلم الأغر قال : سمعت أبا هريرة وأبا سعيد يقولان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ، ثم يأمر مناديا ينادي : هل من داع فيستجاب له ؟ هل من مستغفر يغفر له ؟ هل من سائل يعطى ؟ " .

                                                                                                                        10810 - وقد ذكرنا أبا عبد الله الأغر وأبا مسلم الأغر في كتاب الكنى بما ينبغي من ذكرهما .

                                                                                                                        10811 - وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم : رفاعة الجهني ، وعبد الله بن مسعود ، وعبادة بن الصامت ، وجبير بن مطعم ، وفي بعضها شطر الليل ، وفي بعضها ثلث الليل الأول وأصحها [ ص: 148 ] ثلث الليل الآخر ، وهو حديث ابن شهاب هذا .

                                                                                                                        10812 - حدثناه محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا البغوي قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا فليح بن سليمان عن الزهري عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر صاحب أبي هريرة ، أنهما سمعا أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل ربنا عز وجل حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا كل ليلة ، فيقول : من يسألني فأعطيه ؟ ومن يدعوني فأستجيب له ؟ ومن يستغفرني أغفر له ؟ " .

                                                                                                                        10813 - فلذلك كانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله .

                                                                                                                        10814 - وحدثنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل الرب في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعوني فأستجب له ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ حتى يطلع الفجر " .

                                                                                                                        10815 - فكذلك كانوا يستحبون آخر الليل .

                                                                                                                        10816 - قال أبو عمر : هذا عندي من كلام ابن شهاب أو أبي سلمة ، والله أعلم .

                                                                                                                        10817 - وفي هذا الحديث دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات وعلمه في كل مكان ، كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر .

                                                                                                                        [ ص: 149 ] 10818 - وحجتهم ظواهر القرآن في قوله : " الرحمن على العرش استوى " طه 5 .

                                                                                                                        10819 - كما قال : " لتستووا على ظهوره " الزخرف 13 .

                                                                                                                        10820 - وقوله : " واستوت على الجودي " 44 من سورة هود .

                                                                                                                        10821 - و " استويت أنت ومن معك على الفلك " المؤمنون 28 .

                                                                                                                        10822 - قال الله عز وجل : " ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي " السجدة 4 .

                                                                                                                        وقال : " ثم استوى إلى السماء وهي دخان " { فصلت 11 } .

                                                                                                                        10823 -

                                                                                                                        فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة وقد حلق النجم اليماني فاستوى

                                                                                                                        .

                                                                                                                        10824 - وقال عز وجل : " أأمنتم من في السماء " الملك 16 على السماء .

                                                                                                                        10825 - كما قال : " في جذوع النخل " طه 71 أي عليها .

                                                                                                                        10826 - وقال : " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه السجدة 5 .

                                                                                                                        10827 - وقال : " ذي المعارج " والعروج الصعود .

                                                                                                                        10828 - وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة ، وقد أوضحنا [ ص: 150 ] فساد ما ادعوه من المجاز فيها في ( التمهيد ) ، وذكرنا الحجة عليهم بما حضرنا من الأثر من وجوه النظر هناك بباب فيه كتاب مفرد ، والحمد لله .

                                                                                                                        10829 - ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبها إذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء .

                                                                                                                        10830 - ومن الحجة فيما ذهبت إليه الجماعة أن الموحدين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو دهمهم غمر أو نزلت بهم شدة رفعوا أيديهم إلى السماء يستغيثون ربهم ، ليكشف ما نزل بهم ولا يشيرون بشيء من ذلك إلى الأرض .

                                                                                                                        10831 - ولولا أن موسى ( عليه السلام ) قال لهم إلهي في السماء ما قال فرعون " يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى " غافر 36 ، 37 " .

                                                                                                                        10832 - وهذا أمية بن أبي الصلت وهو ممن قرأ الكتب التوراة والإنجيل والزبور ، وكان من وجوه العرب يقول في شعره :


                                                                                                                        فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ومن هو فوق العرش فرد موحد
                                                                                                                        مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد



                                                                                                                        10833 - وفيه يقول في وصف الملائكة [ ص: 151 ]

                                                                                                                        وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه يعظم ربا فوقه ويمجده



                                                                                                                        10834 - وسئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قول الله عز وجل : " الرحمن على العرش استوى " طه 5 قال : استواؤه حق معلوم ، وكيفيته مجهولة .

                                                                                                                        10835 - وقد روي عن عبد الله بن نافع عن مالك نحو ذلك قال : سئل مالك عن قول الله ( عز وجل ) : " الرحمن على العرش استوى " كيف استوى ؟ فقال : استواؤه معلوم ، وكيفيته مجهولة ، وسؤالك عن هذا بدعة ، وأراك رجل سوء .

                                                                                                                        10836 - وروى حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال : الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم .

                                                                                                                        10837 - وسئل سفيان الثوري عن قوله ( عز وجل ) : " وهو معكم أين ما كنتم " { الحديد 4 } قال : علمه .

                                                                                                                        10838 - وقال ابن المبارك : الرب ( تبارك وتعالى ) على السماء السابعة على العرش .

                                                                                                                        10839 - وقد ذكرنا الأسانيد عن هؤلاء وغيرهم بهذا المعنى في ( التمهيد ) .

                                                                                                                        10840 - وأما قوله في هذا الحديث : " ينزل ربنا " الذي عليه أهل العلم من أهل السنة والحق والإيمان بمثل هذا وشبهه من القرآن والسنن دون كيفية فيقولون : [ ص: 152 ] ينزل ولا يقولون كيف النزول ؟ ولا يقولون كيف الاستواء ؟ ولا كيف المجيء ؟ في قوله ( عز وجل ) : " وجاء ربك والملك صفا صفا " الفجر 22 ولا كيف التجلي في قوله : " فلما تجلى ربه للجبل " الأعراف 143 .

                                                                                                                        10841 - حدثنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا عمر بن أيوب السفطي قال : حدثنا أبو معمر القطيعي قال : قال عباد بن العوام : قدم علينا شريك واسط فقلنا له : إن عندنا قوما ينكرون هذه الأحاديث : ( أن الله ( عز وجل ) ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة ) ، فقال : إنما جاءنا بهذه الأحاديث من جاءنا بالسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة والزكاة والصيام والحج ، وإنما عرفنا الله ( عز وجل ) بهذه الأحاديث .

                                                                                                                        10842 - وحدثنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا الحسن بن علي الجصاص وأبو سعيد قالا : حدثنا الربيع بن سليمان قال : قال الشافعي : ليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها ، ولا نعترض عليه بكيف ولا يسع عالما فيما ثبت من السنة إلا التسليم ، لأن الله قد فرض اتباعها .

                                                                                                                        10843 - وقد قال قوم : إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته ، وهذا ليس بشيء لأن أمره بما شاء من رحمته ونقمته ينزل بالليل والنهار بلا توقيت ثلث الليل ولا غيره .

                                                                                                                        10844 - ولو صح ما روي في ذلك عن مالك كان معناه أن الأغلب من استجابة دعاء من دعاه من عباده في رحمته وعفوه يكون ذلك الوقت .

                                                                                                                        [ ص: 153 ] 10845 - وقد روي من حديث أبي ذر أنه قال : يا رسول الله ، أي الليل أسمع ؟ قال : " جوف الليل الغابر " .

                                                                                                                        10846 - وقد قالت فرقة منتسبة إلى السنة : إنه ينزل بذاته ، وهذا قول مهجور لأنه تعالى ذكره ليس بمحل للحركات ولا فيه شيء من علامات المخلوقات .

                                                                                                                        10847 - قال أبو عمر : لم يزل الصالحون يرغبون في الدعاء والاستغفار بالأسحار لهذا الحديث وما كان مثله ولقوله تعالى : " والمستغفرين بالأسحار : آل عمران 17 .

                                                                                                                        10848 - روى محارب بن دثار عن عمه قال : كنت آتي المسجد في السحر فأمر بدار عبد الله بن مسعود ، فأسمعه يقول : اللهم أمرتني فأطعت ودعوتني فأجبت وهذا السحر فاغفر لي فلقيت ابن مسعود ، فقلت له : كلمات سمعتك تقولهن في السحر ، فقال : إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر حين قال لهم : " سوف أستغفر لكم ربي " يوسف 98 .

                                                                                                                        10849 - وروى حماد بن سلمة عن الجريري أن داود ( عليه السلام ) سأل جبريل ( عليه السلام ) أي الليل أسمع ؟ فقال : لا أدري ، غير أن العرش يهتز بي في السحر . 50



                                                                                                                        الخدمات العلمية