الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو دفع إليه أرضا عشرين سنة على أن يزرعها ، ويغرسها ما بدا له على أن ما أخرج الله - تعالى - من ذلك فهو بينهما نصفان فهو جائز ; لأن التالة للأشجار بمنزلة البذر للخارج ، واشتراط ذلك على العامل في المزارعة صحيح ، فكذلك اشتراط الغرس على العامل بعد أن تكون المدة معلومة ، وما زرع وغرس بينهما نصفان حبه وتبنه وثمره ورطبه وأصول الرطب وعنبه وكرمه وأصول الكرم وحطبه وعيدانه ; لأن هذا كله حاصل بعمله وبقوة أرض صاحبه فإن الغروس تتبدل بالعلوق .

( ألا ترى ) أن من غصب تالة فغرسها كان الشجر له بمنزلة ما لو غصب بذرا فزرعه ، فإن كان الكل حاصلا بعمله ، وقد اشترطا المناصفة في جميعه كان الكل بينهما نصفين ، ولو اشترطا أن الثمر بينهما جاز والثمر بينهما على ما اشترطا ، فأما الشجر والكرم وأصول الرطبة فهو للغارس يقلعه إذا انتقضت المعاملة ، وهو نظير ما بينا إذا شرط المناصفة في الحب أن التبن كله لصاحب البذر ، فهذا أيضا الثمر بينهما نصفان ، كما شرطا ، والشجر وأصول الرطبة كله للغارس ; لأن استحقاقه باعتبار ملك الأصل لا بالشرط ويقلعه انقضت المعاملة ; لأن عليه تسليم الأرض إلى صاحبها فارغة ولا يتمكن من ذلك إلا بقلع [ ص: 62 ] الأشجار ، وكذلك لو كانا شرطا ذلك للغارس وإن كانا شرطاه لرب الأرض كانت المعاملة فاسدة كما بينا في التبن ; لأن استحقاق رب الأرض بالشرط ، فلو جوزنا هذا الشرط أدى إلى أن يثبت له استحقاق الخارج قبل أن يثبت لصاحبه بالشروط ، وربما لا يثبت لصاحبه بأن لا تحصل له الثمار ، ولو كان الغرس والبذر من قبل صاحب الأرض كان جائزا في جميع هذه الوجوه إلا أن يشترط الشجر والكرم وأصول الرطبة للعامل ، فحينئذ تفسد المعاملة ; لأن استحقاق العامل هنا بالشرط ، فلا يجوز أن يسبق استحقاق صاحب الأرض في الخارج ، وإن شرطا الثمر لأحدهما بعينه ، والشجر بينهما نصفان لم يجز ; لأن المقصود بالمعاملة الشركة في الثمار ، فهذا شرط يؤدي إلى قطع الشركة بينهما فيما هو المقصود ، فيفسد به العقد ، كما لو شرطا في المزارعة الحب لأحدهما بعينه ، والتبن بينهما نصفين ، وقد بينا هذا ، وإن اشترطا في المزارعة أن ما خرج منها من حنطة فهو بينهما نصفان ، وما خرج من شعير فهو لصاحب البذر كله يستوفيه فيأخذه ، فهذه مزارعة فاسدة ، وكذلك لو شرطا الشعير الذي سرق منها للذي ليس من قبله البذر فهو فاسد ، والمراد من هذا أنه قد يكون في الحنطة حبات شعير ، فتقلع ، وذلك إذا اشتد حبه قبل أن تدرك الحنطة وتجف فإذا شرطا ذلك لأحدهما بعينه فسد العقد ; لأن الحنطة والشعير كل واحد منهما ريع مقصود ، فهذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة في ريع مقصود ، وذلك مفسد للعقد ومن الجائز أن يحصل الشعير ، ويصيب الحنطة آفة فيختص به أحدهما ، وذلك ينفي صحة المزارعة بينهما

التالي السابق


الخدمات العلمية