الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر غزو مسلم الترك

ثم قطع مسلم النهر ، ولحق به من لحق من أصحابه ، فلما بلغ بخارى أتاه كتاب خالد بن عبد الله بولايته العراق ، ويأمره بإتمام غزاته . فسار إلى فرغانة ، فلما وصلها بلغه أن خاقان قد أقبل إليه ، وأنه في موضع ذكروه ، فارتحل ، فسار ثلاث مراحل في يوم ، وأقبل إليهم خاقان ، فلقي طائفة من المسلمين وأصاب دواب لمسلم ، وقتل جماعة من المسلمين ، وقتل المسيب بن بشر الرياحي ، والبراء ، وكان من فرسان المهلب ، وقتل أخو غوزك ، وثار الناس في وجوههم فأخرجوهم من العسكر ، ورحل مسلم بالناس ، فسار ثمانية أيام وهم مطيفون بهم ، فلما كانت التاسعة أرادوا النزول ، فشاوروا الناس ، فأشار به وقالوا : إذا أصبحنا وردنا الماء [ والماء ] منا غير بعيد . فنزلوا ولم يرفعوا بناء في العسكر ، وأحرق الناس ما ثقل من الآنية والأمتعة ، فحرقوا ما قيمته ألف ألف ، وأصبح الناس ، فساروا ، فوردوا النهر ، وأهل فرغانة والشاش دونه ، فقال مسلم بن سعيد : أعزم على كل رجل إلا اخترط سيفه ، ففعلوا وصارت الدنيا كلها سيوفا ، فتركوا الماء وعبروا .

فأقام يوما ، ثم قطع من غد ، واتبعهم ابن لخاقان ، فأرسل إليه حميد بن عبد الله ، وهو على الساقة : قف لي فإن خلفي مائتي رجل من الترك حتى أقاتلهم ، وهو مثقل جراحة ، فوقف الناس ، وعطف على الترك ، فقاتلهم ، وأسر أهل الصغد وقائدهم وقائد الترك في سبعة ، ومضى البقية ، ورجع حميد ، فرمي بنشابة في ركبته ، فمات .

وعطش الناس ، وكان عبد الرحمن العامري حمل عشرين قربة على إبله ، فسقاها الناس جرعا جرعا ، واستسقى مسلم بن سعيد ، فأتوه بإناء ، فأخذه جابر أو حارثة بن [ ص: 172 ] كثير أخو سليمان بن كثير من فيه ، فقال مسلم : دعوه فما نازعني شربتي إلا من حر دخله . وأتوا خجندة ، وقد أصابهم مجاعة وجهد ، فانتشر الناس ، فإذا فارسان يسألان عن عبد الرحمن بن نعيم ، فأتياه بعهده على خراسان من أسد بن عبد الله أخي خالد ، فأقرأه عبد الرحمن مسلما ، فقال : سمعا وطاعة . وكان عبد الرحمن أول من اتخذ الخيام في مفازة آمل .

قال الخزرج التغلبي : قاتلنا الترك ، فأحاطوا بنا حتى أيقنا بالهلاك ، فحمل حوثرة بن يزيد بن الحر بن الخنيف على الترك في أربعة آلاف ، فقاتلهم ساعة ثم رجع ، وأقبل نصر بن سيار في ثلاثين فارسا ، فقاتلهم حتى أزالهم عن مواضعهم ، فحمل عليهم الناس ، فانهزم الترك ، وحوثرة وهو ابن أخي رقبة بن الحر .

قيل : وكان عمر بن هبيرة قال لمسلم بن سعيد حين ولاه : ليكن حاجبك من صالح مواليك ، فإنه لسانك والمعبر عنك ، وعليك بعمال العذر . قال : وما عمال العذر ؟ قال : تأمر أهل كل بلد أن يختاروا لأنفسهم ، فإن كان خيرا كان لك ، وإن كان شرا كان لهم دونك ، وكنت معذورا .

وكان على خاتم مسلم بن سعيد توبة بن أبي سعيد ، فلما ولي أسد بن عبد الله خراسان جعله على خاتمه أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية