الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال رجل لآخر يميني في يمينك فحلف فاليمين على الحالف دون صاحبه ( قال المزني ) - رحمه الله - : فقلت له : فإن قال : يميني في يمينك بالطلاق فحلف ، أعليه شيء ؟ فقال : لا يمين إلا على الحالف دون صاحبه ( قال المزني ) - رحمه الله - : قال لي علي بن معبد : في المشي كفارة يمين عن زيد وابن عمر وحفصة وميمون بن مهران والقاسم بن محمد والحسن وعبد الله بن عمر الجوزي ، ورواية عن محمد بن الحسن والحسن وقال سعيد بن المسيب : لا كفارة عليه أصلا ، وعطاء وشريك ، وسمعته يقول ذلك ، وذكر عن الليث كفارة يمين في ذلك كله إلا سعيد ، فإنه قال لا كفارة ( قال المزني ) : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي ، عن أمه صفية بنت شيبة ، أن ابن عم لها جعل ماله في سبيل الله ، أو في رتاج الكعبة ، فقالت : قالت عائشة : هي يمين يكفرها ما يكفر اليمين . وحدثنا الحميدي قال : حدثنا ابن أبي رواد ، عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب ، قال فيمن جعل ماله في سبيل الله : يمين يكفرها ما يكفر اليمين . قال الحميدي : وسمعت الشافعي وسفيان يفتيان به . قال الحميدي : وهو قولي " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما قوله : " يميني في يمينك " أي على مثل يمينك فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يقول ذلك لمن لم يحلف وأراد كل يمين يحلف بها من بعد ، فعلى مثلها وأنا ملتزم لها ما حكم لهذا القول ، فلا يلزمه فلا يحلف عليه صاحبه ، [ ص: 505 ] سواء استأنف يمينا بالله أو بطلاق ، أو عتاق ، لأنه أشار بالقول إلى معدوم ، فبطل حكم الإشارة ، وإلى مجهول فبطل حكم الجهالة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يقول ذلك لمن قد حلف يمينا ، فقال : له بعد يمينه على مثل يمينك ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون يمينه بالله تعالى ، فلا يلزم هذا القائل يمين الحالف ، لأنه قد كنى عن اسم الله تعالى ، والأيمان بالله لا تنعقد إلا بالصريح دون الكناية .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تكون يمين الحالف بطلاق ، أو عتاق ، فإن أراد هذا القائل بما قال الطلاق والعتاق ، لزمه وإن لم يرد به لم يلزمه ، لأن الطلاق والعتاق يقع بالكناية مع الإرادة ، وهذا القول كناية فلزمت الإرادة ، ولم تلزم مع عدم الإرادة .

                                                                                                                                            فإن قيل : فلم انعقد بالكناية يمين العتق والطلاق ، ولم تنعقد بها اليمين بالله تعالى .

                                                                                                                                            قيل : لوقوع الفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما صحت النيابة في الطلاق والعتاق ، ولم تصح النيابة في الأيمان بالله ، وقامت الكناية مقام الصريح في الطلاق ، ولم يقم مقام الصريح في الأيمان ؛ فافترقا من هذا الوجه .

                                                                                                                                            والثاني : أن أسماء الله تعالى مختصة بذاته ، لا تقف على إرادة مسميه ، فاختص بالصريح دون الكناية ، وأسماء غيره تقف على إرادة مسميه ، فجمع فيها بين الصريح والكناية ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية