الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5116 5432 - حدثنا عبد الرحمن بن شيبة قال: أخبرني ابن أبي الفديك، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: كنت ألزم النبي - صلى الله عليه وسلم - لشبع بطني حين لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وألصق بطني بالحصباء، وأستقرئ الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة ليس فيها شيء، فنشتقها فنلعق ما فيها. [انظر: 3708 - فتح:9 \ 557].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              كذا ذكره البخاري بالمد، أعني: الحلواء، قال ابن ولاد: الحلوى عند الأصمعي مقصور تكتب بالياء ، وفي قول الفراء: ممدود وكل ممدود يكتب بالألف. وقيل: يمد ويقصر، وقال الليث: هو ممدود عند أكثرهم، وهو كل حلو يؤكل. وقال الخطابي: اسم الحلواء لا يقع إلا على ما دخلته الصنعة ، وقال ابن سيده في "المخصص": هو كل ما عولج من الطعام بحلاوة . وهو أيضا الفاكهة.

                                                                                                                                                                                                                              وترجم على حديث عائشة الآتي باب: شرب الحلواء والعسل .

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: يحتمل أن يريد النقيع الحلو، ويحتمل أن يريد التمر [ ص: 203 ] ونحوه من الثمار. قلت: التمر كيف يشرب؟ إلا قول من قال: شراب ألبان وتمر وأقط، ذكره مع اللبن للمجاورة.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر البخاري في الباب حديث عائشة - رضي الله عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء والعسل.

                                                                                                                                                                                                                              ذكره في الأشربة والطب وترك الحيل .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم والأربعة ، وحديث أبي هريرة في ذكر جعفر، وقد سلف في ترجمته .

                                                                                                                                                                                                                              وشيخه هنا عبد الرحمن بن شيبة، وهو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة، أبو بكر القرشي الحزامي، مولاهم المدني .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن رجل عنه ، قال ابن المنير: ومناسبة حديث أبي هريرة لما بوب له أن الحلواء المذكورة ليست المعهود الآن على وجه الإسراف واجتماع المفردات الكبيرة وإنما هي الشيء الحلو [ ص: 204 ] ولو نبيذ التمر ، ولما كانت العلة المذكورة فيه تكون فيها غالبا العسل وربما جاء مصرحا به في بعض الروايات فناسبت التبويب، ولم يكن حب الشارع للحلواء على كثرة التشهي بها، وشدة نزاع النفس إليها، وتأنق الصنعة في اتخاذها فعل (أهل) النهم، وإنما كان ينال منها إذا قدمت إليه نيلا صالحا من غير تعذر، فيعلم بذلك أنها تعجبه طعمها وحلاوتها.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: دليل على اتخاذ الأطعمة من ألوان شتى، وكان بعض أهل الورع يكره ذلك ولا يرخص أن يأكل من الحلواء إلا ما كان حلوا بطبعه من غير أن يخلط بلت أو دسم كالعسل والتمر.

                                                                                                                                                                                                                              ومن الأحاديث الواهية: حديث أبي هريرة مرفوعا: "إذا قرب إلى أحدكم الحلواء فليأكل منها ولا يردها" .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو زرعة: حديث منكر .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 205 ] ولا شك أن الحلواء والعسل من جملة الطيبات المباحة قال تعالى: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [المائدة: 87] وقال: والطيبات من الرزق [الأعراف: 32] على قول من ذهب [إلى] أن الطيبات: المستلذ من الطعام.

                                                                                                                                                                                                                              ودل حديث عائشة - رضي الله عنها - على صحة هذا التأويل لمحبة الشارع الحلواء والعسل، وأن ذلك من طعام الصالحين الأبرار; اقتداء بحبه - عليه السلام - لهما، ودخل في معناه كل ما شاكلهما من أنواع المآكل الحلوة الطعم كالتمر والتين والزبيب والعنب والرمان، وشبه ذلك من الفواكه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في العكة: (فنشتقها فنلعق ما فيها). قال ابن التين لأبي الحسن: بالمعجمة والفاء. وروي بالقاف، والأول أبين والثاني أظهر; لأن الاشتفاف إنما هو شرب ما في الإناء ولا يبقي شيئا، وهنا قد ذكر أنه لا شيء فيها، وإنما هم سقوها ولعقوا ما فيها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن قرقول: فنشتفها كذا لهم، أي: نتقصى ما فيها من بقيتة كما جاء (فنلعق ما فيها). ورواه المروزي والبلخي بالقاف، وهو أوجه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة من الفقه: الاقتصاد في المعيشة، والأخذ منها بالبلغة الباعثة على الزهد في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 206 ] وفيه: فضل جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - ووصفه بالكرم والتواضع لتعاهده للمساكين وإطعامه لهم في بيته وإكرامهم بذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: جواز الإحسان بالشيء التافه; لأن ذلك لا يخلو أن يكون فيه مثاقيل ذر كثيرة .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية