الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                قال البخاري - رحمه الله - :

                                591 616 - حدثنا مسدد : ثنا حماد ، عن أيوب وعبد الحميد صاحب الزيادي وعاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : خطبنا ابن عباس في يوم رزغ ، فلما بلغ المؤذن : ( حي على الصلاة ) فأمره أن ينادي : ( الصلاة في الرحال ) ، فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، فقال : فعل هذا من هو خير منه ، وإنها عزمة .

                                التالي السابق


                                ( الرزغ ) : بالزاي وبالغين المعجمة ، هو : الوحل . يقال : أرزغت السماء إذا بلت الأرض . ويقال له - أيضا - : ( الردغ ) بالدال المهملة .

                                وقيل : إن الرزغ - بالزاي - أشد من الردغ . وقيل : هما سواء .

                                قال الخطابي : الرزغة وحل شديد ، وكذلك الردغة . ورزغ الرجل [ إذا ارتكم ] في الوحل ، فهو رزغ .

                                وقد خرجه البخاري - أيضا - في ( باب : هل يصلي الإمام بمن حضر ، وهل يخطب يوم الجمعة في المطر ؟ ) عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ، عن [ ص: 494 ] حماد ، عن عبد الحميد وعاصم خاصة ، وفصل حديث أحدهما من حديث الآخر .

                                وفي حديث عبد الحميد عنده ، قال : كأنكم أنكرتم هذا ، إن هذا فعله من هو خير مني - يعني : النبي صلى الله عليه وسلم .

                                وخرجه - أيضا - في ( كتاب الجمعة ) من طريق ابن علية ، عن عبد الحميد ، قال : أنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين : قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) ، فلا تقل : ( حي على الصلاة ) . قل : ( صلوا في بيوتكم ) ، فكأن الناس استنكروا ، فقال : قد فعله من هو خير مني .

                                وفي هذه الرواية : زيادة على ما قبلها من وجهين :

                                أحدهما : أنه نسب فيها عبد الله بن الحارث هذا : هو الأنصاري البصري نسيب ابن سيرين وختنه على أخته .

                                وكذا وقع في ( سنن أبي داود ) - أيضا .

                                وفي ( سنن ابن ماجه ) من رواية عباد المهلبي ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل .

                                وابن نوفل هذا ، هو : الهاشمي ، ويلقب ( ببه ) ، وكلاهما ثقة ، مخرج له في ( الصحيحين ) . فالله أعلم .

                                والثاني : أن في هذه الرواية : أن ابن عباس نهى المؤذن أن يقول : ( حي على الصلاة ) ، وأمره أن يبدلها في قوله : ( صلوا في بيوتكم ) .

                                [ ص: 495 ] وقد خرجهما مسلم - أيضا - كذلك .

                                وعلى هذه الرواية ، فلا يدخل هذا الحديث في هذا الباب ، بل هو دليل على أن المؤذن يوم المطر مخير بين أن يقول : ( حي على الصلاة حي على الفلاح ) ، وبين أن يبدل ذلك بقوله : ( صلوا في رحالكم أو بيوتكم ) ، ويكون ذلك من جملة كلمات الأذان الأصلية في وقت المطر .

                                وهذا غريب جدا ، اللهم إلا أن يحمل على أنه أمره بتقديم هذه الكلمة على الحيعلتين ، وهو بعيد مخالف لقوله : لا تقل ( حي على الصلاة ) ، بل ( صلوا في بيوتكم ) .

                                والذي فهمه البخاري : أن هذه الكلمة قالها بعد الحيعلتين أو قبلهما ، فتكون زيادة كلام في الأذان لمصلحة ، وذلك غير مكروه كما سبق ذكره ؛ فإن من كره الكلام في أثناء الأذان إنما كره ما هو أجنبي منه ، ولا مصلحة للأذان فيه .

                                وكذا فهمه الشافعي ؛ فإنه قال في كتابه : إذا كانت ليلة مطيرة ، أو ذات ريح وظلمة - يستحب أن يقول المؤذن إذا فرغ من أذانه : ( ألا صلوا في رحالكم ) فإن قاله في أثناء الأذان بعد الحيعلة فلا بأس .

                                وكذا قال عامة أصحابه ، سوى أبي المعالي ؛ فإنه استبعد ذلك أثناء الأذان .

                                وأما إبدال الحيعلتين بقوله : ( ألا صلوا في الرحال ) ، فإنه أغرب وأغرب .

                                وفي الباب - أيضا - عن نعيم بن النحام .

                                خرجه الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق : أبنا معمر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن [ ص: 496 ] شيخ قد سماه ، عن نعيم بن النحام ، قال : سمعت مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة باردة ، وأنا في لحافي ، فتمنيت أن يقول : ( صلوا في رحالكم ) ، فلما بلغ حي على الفلاح ، قال : ( صلوا في رحالكم ) ، ثم سألت عنها ، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك .

                                في إسناده مجهول .

                                وله طريق آخر : خرجه الإمام أحمد - أيضا - : ثنا علي بن عياش : ثنا إسماعيل بن عياش : ثنا يحيى بن سعيد : أخبرني محمد بن يحيى بن حبان ، عن نعيم بن النحام ، قال : نودي بالصبح في يوم بارد ، وأنا في مرط امرأتي ، فقلت : ليت المنادي قال : ( ومن قعد فلا حرج عليه ) ، فإذا منادي النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر أذانه قال : ( ومن قعد فلا حرج عليه ) .

                                وخرجه أبو القاسم البغوي في ( معجم الصحابة ) من رواية سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن نعيم ، به - بنحوه ، ولم يقل : ( في آخر أذانه ) .

                                وقال : هو مرسل .

                                يشير إلى أن محمد بن إبراهيم التيمي لم يسمع من نعيم .

                                ورواية سليمان بن بلال عن يحيى أصح من رواية إسماعيل بن عياش ؛ فإن إسماعيل لا يضبط حديث الحجازيين ، فحديثه عنهم فيه ضعف .

                                وخرجه البيهقي من رواية عبد الحميد بن أبي العشرين ، عن الأوزاعي [ ص: 497 ] عن يحيى بن سعيد ، أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه ، عن نعيم بن النحام - فذكر الحديث بنحوه ، وقال فيه : فلما بلغ : ( الصلاة خير من النوم ) ، قال : ( ومن قعد فلا حرج ) .

                                وروى سفيان بن عيينة ، [ عن عمرو بن دينار ] ، عن عمرو بن أوس : أنبأنا رجل من ثقيف ، أنه سمع منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - في ليلة مطيرة في السفر - يقول : ( حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، صلوا في رحالكم ) .

                                خرجه النسائي .

                                وقد روى عبيد الله والليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان ربما زاد في أذانه : ( حي على خير العمل ) .



                                الخدمات العلمية