الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1324 [ ص: 5 ] نافع عن أبي سعيد الخدري ، حديث واحد وهو حديث سابع وستون لنافع

واسم أبي سعيد هذا : سعد بن مالك بن سنان ، وقد ذكرناه في الصحابة بما يغني عن ذكره من التعريف والرفع في النسب .

مالك ، عن نافع ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على البعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا شيئا منهما غائبا بناجز .

التالي السابق


لم يختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث ، وكذلك رواه أيوب ، وعبيد الله عن نافع ، عن أبي سعيد الخدري [ ص: 6 ] كما رواه مالك ، وهو الصحيح في ذلك ، ورواه ابن عون عن نافع قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمر ، فحدثه عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث في الصرف .

هكذا رواه جماعة عن ابن عون ، ليس فيه سماع لنافع من أبي سعيد ولا لابن عمر من أبي سعيد ، وإنما فيه أن رجلا حدثه عن أبي سعيد بهذا الحديث ، والرجل قد سماه يحيى بن سعيد في حديثه عن نافع ، رواه يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد أنه أخبره ، أن نافعا أخبره أن عمرو بن ثابت العتواري ذكر لعبد الله بن عمر أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث بهذا الحديث ، ولم يجود يحيى بن سعيد ولا ابن عون هذا الحديث ; لأن فيه أن ابن عمر لما حدثه هذا الرجل بهذا الحديث عن أبي سعيد - قام إلى أبي سعيد ومضى معه نافع ، فسمعا الحديث من أبي سعيد ، وقد جود ذلك عبيد الله بن عمر ، ورواه خصيف الجزري ، وعبد العزيز بن أبي رواد المكي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن أبي سعيد الخدري ، وليس بشيء ، وإنما الحديث لنافع عن أبي سعيد ، سمعه معه ابن عمر على ما قال عبيد الله .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : أخبرني نافع ، قال : بلغ عبد الله بن عمر أن أبا سعيد الخدري يأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصرف ، فأخذ بيدي وبيد رجل ، فأتينا أبا سعيد ، فقال له عبد الله بن عمر : شيء تأثره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصرف ؟ قال : سمعته أذناي ، ووعاه قلبي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل ، ولا تفضلوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز .

[ ص: 7 ] وهذا من أصح حديث يروى في الصرف ، هو يوجب تحريم الازدياد والنسأ جميعا في الذهب والورق - تبرهما وعينهما ، وهو أمر مجتمع عليه ، إلا فرقة شذت وأباحت فيهما الازدياد والتفاضل يدا بيد ، وما قال بهذا القول أحد من الفقهاء الذين تدور عليهم الفتوى في أمصار المسلمين ، فلا وجه للاشتغال بالشذوذ .

والشف في كلام العرب - بالكسر - : الزيادة ، يقال : الشيء يشف ويستشف أي : يزيد ، وفي قوله عليه السلام في هذا الحديث : ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز دليل على أنه لا يجوز في الصرف شيء من التأخير ، ولا يجوز حتى يحضر العين منهما جميعا ، وهذا أمر مجتمع عليه إلا أن من معنى هذا الباب مما اختلف فيه العلماء - الصرف على ما ليس عند المتصارفين أو عند أحدهما في حين العقد ، قال مالك : لا يجوز الصرف إلا أن يكون العينان حاضرتين .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : يجوز أن يشتري دنانير بدراهم ليست عند واحد منهما ، ثم يستقرض ، فيدفع قبل الافتراق .

وروى الحسن بن زياد ، عن زفر أنه لا يجوز الصرف حتى تظهر إحدى العينين وتعين ، فإن لم يكن ذلك ، لم يجز ، نحو أن يقول : اشتريت صك ألف درهم بمائة دينار ، وسواء أكان ذلك عندهما أم لم يكن ، فإن عين أحدهما جاز ، وذلك مثل أن يقول : اشتريت منك ألف درهم بهذه الدنانير - إذا دفعها قبل أن يفترقا . وروي عن مالك مثل قول زفر ، إلا أنه قال : يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعينه قريبا متصلا بمنزلة النفقة يحلها من كيسه .

[ ص: 8 ] وقال الطحاوي : واتفقوا - يعني هؤلاء الفقهاء الثلاثة - على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا وقبضه في المجلس ، فدل على اعتبار القبض في المجلس دون كونه عينا .

واختلف الفقهاء - أيضا - في تصارف الدينين وتطارحهما ، مثل أن يكون لرجل على رجل دنانير ، ولآخر عليه دراهم ، فمذهب مالك وأبي حنيفة أنه لا بأس أن يشتري أحدهما ما عليه بما على الآخر ويتطارحانهما صرفا .

ومن حجة من ذهب هذا المذهب حديث سماك بن حرب ، عن سعيد بن يحيى ، عن ابن عمر ، قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت : يا رسول الله ، إني أبيع الإبل ، أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا بأس بذلك ما لم تفترقا وبينكما شيء .

ففي هذا الحديث دليل على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا ، قالوا : فكذلك إذا كانا دينين ; لأن الذمة الحاضرة كالعين الحاضرة ، وصار الطرح عندهم في ذلك كالمقبوض من العين الحاضرة ، ومعنى الغائب عندهم هو الذي يحتاج إلى قبض ولا يمكن قبضه حتى يفترقا ، بدليل حديث عمر : لا تفارقه حتى تقبضه .

وقال الشافعي وجماعة - وهو قول الليث - : لا يجوز تصارف الدينين ولا تطارحهما ; لأنه لما لم يجز غائب بناجز كان الغائب بالغائب أحرى أن لا يجوز ، وأجاز الشافعي وأصحابه قضاء الدنانير عن الدراهم وقضاء الدراهم عن الدنانير ، وسواء كان ذلك من بيع ، أو من قرض - إذا كان حالا وتقابضا قبل أن يفترقا بأي سعر شاء ، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا ، بطل الصرف بينهما ، ورجع كل واحد منهما إلى أصل [ ص: 9 ] ما كان له على صاحبه ، واتفق الشافعي وأصحابه على كراهة قصاص الدنانير من الدراهم ، إذا كانتا جميعا في الذمم ، مثل أن يكون لرجل على رجل دنانير ، وله عليه دراهم ، فأرادا أن يجعلا الدنانير قصاصا بالدراهم ، فهذا لا يجوز عندهم ; لأنه دين بدين ، وكذلك لو تسلف رجل من رجل دينارا ، وتسلف الآخر منه دراهم على أن يكون هذا بهذا ، لم يجز عندهم ، وكان على من تسلف الدينار دينار مثله ، وعلى من تسلف الدراهم دراهم مثلها ، وأما إذا كان لرجل على رجل دينار ، فأخذ منه فيه دراهم صرفا ناجزا كان ذلك جائزا ، وأجاز أبو حنيفة أخذ الدنانير عن الدراهم ، والدراهم عن الدنانير - إذا تقابضا في المجلس ، وسواء كان الدين حالا أو آجلا .

وحجتهم حديث ابن عمر هذا ; لأنه لما لم يسأله عن دينه : أحال هو أم مؤجل ، دل على استواء الحال عنده ، وقال مالك : لا يجوز ذلك إلا أن يكونا جميعا حالين ; لأنه لما لم يستحق قبض الآجل إلا إلى أجله ، صار كأنه صارفه إلى ذلك الأجل ، وهذا هو المشهور من قول الشافعي .

وروى الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كره اقتضاء الذهب من الورق ، والورق من الذهب ، وعن ابن مسعود مثله ، وعن ابن عمر - أنه لا بأس به .

[ ص: 10 ] قال ابن شبرمة : لا يجوز أن يأخذ عن دراهم دنانير ، ولا عن دنانير دراهم ، وإنما يأخذ ما أقرض ، ويشهد لمذهب ابن شبرمة ويؤيده - حديث أبي سعيد في هذا الباب ، وهو قول ابن عباس ، وابن مسعود ، ويشهد لقول سائر الفقهاء حديث ابن عمر ، إلا أن فيه : بسعر يومكما ، وقال عثمان البتي : يأخذها بسعر يومه .

وقال داود وأصحابه : إذا كان لرجل على رجل عشرة دراهم ، فباعه الذي عليه العشرة دراهم بها دينارا ، فالبيع باطل ; لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذهب بالورق ، إلا هاء وهاء ، وعن بيع أحدهما بالآخر غائبا بناجز ، قال : ولو أخذ بذلك قيمة للعشرة دراهم ، كان جائزا ; لأن القيمة غير البيع ، وإنما ورد النهي عن البيع لا عن القيمة .

واحتجوا بحديث ابن عمر : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فآخذ من الدنانير دراهم . . . الحديث ، على ما نذكره إن شاء الله .

ومن هذا الباب أيضا ، أن يبيع السلعة بدنانير على أن يعطيه بها دراهم ، فقال مالك في مثل هذا : لا يلتفت إلى اللفظ الفاسد إذا كان فعلهما حلالا ، وكأنه باعه السلعة بتلك الدراهم التي ذكرا أنه يأخذها في الدنانير .

وقال أبو حنيفة والشافعي - فيمن باع بدنانير معلومة على أن يعطيه المشتري بها دراهم ، فالبيع فاسد ، وهو قول جمهور أهل العلم ; لأنه من باب بيعتين في بيعة ، ومن باب بيع وصرف لم يقبض .

ومن هذا الباب - أيضا - الصرف ، يوجد فيه زيوف ، وهو مما اختلفوا فيه أيضا ، فقال مالك : إذا وجد في دراهم الصرف درهما [ ص: 11 ] زائفا فرضي به جاز ، وإن رده انتقض صرف الدين كله ، وإن وجد فيها أحد عشر درهما رديئة ، انتقض الصرف في دينارين ، وكذلك ما زاد على صرف دينار ، انتقض الصرف في دينار آخر .

وقال زفر ، والثوري : يبطل الصرف فيما رد ، قل أو كثر ، وقد روي عن الثوري ، أنه إن شاء استبدله ، وإن شاء كان شريكه في الدينار بحساب .

وقال أبو يوسف ، ومحمد ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والحسن بن حي : يستبدله كله ، وهو قول ابن شهاب ، وربيعة ، وكذلك قال الحسن ، وابن سيرين ، وقتادة : يرد عليه ، ويأخذ البدل ، ولا ينتقض من الصرف شيء ، وهو قول أحمد بن حنبل ، وهو أحد أقاويل الشافعي ، واختاره المزني قياسا على العيب يوجد في السلم ، أن على صاحبه أن يأتي بمثله ، وأقاويل الشافعي في هذه المسألة ، أحدها : أنه قال : إذا اشترى ذهبا بورق ، عينا بعين ، ووجد أحدهما ببعض ما اشترى عيبا قبل التفرق أو بعده ، فليس له إلا رد الكل أو التمسك به ، قال : وإذا تبايعا ذلك بغير عينه ، فوجد أحدهما - قبل التفرق - ببعض ما اشترى عيبا ، فله البدل ، وإن وجده بعد التفرق ، ففيها أقاويل ، منها : أنها كالعين ، ومنها البدل ، ومنها رد المعيب بحصته من الثمن ، قال : ومتى افترق المصطرفان قبل التقابض ، فلا بيع بينهما .

وقال أبو حنيفة : إذا افترقا ، ثم وجد النصف زيوفا أو أكثر فرده ، بطل الصرف في المردود ، وإن كان أقل من النصف استبدله ، وقد مضى القول مجودا في تحريم الازدياد في بيع الورق بالورق ، والذهب بالذهب ، في باب حميد بن قيس ، وهو أمر اجتمع عليه فقهاء الأمصار من أهل الرأي والأثر ، وكفى [ ص: 12 ] بذلك حجة مع ثبوته من جهة نقل الآحاد العدول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد مضى القول في تحريم النسيئة في الصرف في باب ابن شهاب ، عن مالك بن أوس بن الحدثان - من هذا الكتاب مجودا أيضا ، ممهدا ، وفي ذلك الباب أصول من هذا الباب ، ولا خلاف بين علماء المسلمين في تحريم النسيئة في بيع الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، وبيع الورق بالذهب ، والذهب بالورق ، وأن الصرف كله لا يجوز إلا هاء وهاء - قبل الافتراق ، هذه جملة اجتمعوا عليها ، وثبت قوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك إلا هاء وهاء بنقل الآحاد العدول أيضا ، وما أجمعوا عليه - من ذلك وغيره - فهو الحق ، وكذلك كل ما كان في معناه ، ما لم يخرجه عن ذلك الأصل دليل يجب التسليم له ، فقد اختلفوا من هذا الأصل في المسائل التي أوردناها في هذا الباب على حسب ما ذكرناه عنهم فيه ، مما نزعوا به ، وذهبوا إليه ، وبالله العصمة والتوفيق .

قال أبو عمر : حديث ابن عمر في اقتضاء الدنانير من الدراهم ، والدراهم من الدنانير - جعله قوم معارضا لحديث أبي سعيد الخدري في هذا الباب ; لقوله : ولا تبيعوا منها غائبا بناجز وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر الفقهاء ; لأنه ممكن استعمال كل واحد منهما ، وحديث ابن عمر مفسر ، وحديث أبي سعيد الخدري مجمل ، فصار معناه : لا تبيعوا منهما غائبا - ليس في ذمة - بناجز ، وإذا حملا على هذا لم يتعارضا ، وهذا الحديث حدثناه خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، عن عبيد بن آدم بن أبي إياس ، قال : حدثني ثابت بن نعيم ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فآخذ مكان الدنانير دراهم ، ومكان [ ص: 13 ] الدراهم دنانير فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : لا بأس به إذا افترقتما ، وليس بينكما شيء .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، وجعفر بن محمد ، قالا : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير ، وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم ، وآخذ الدنانير فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت حفصة فقلت : يا رسول الله رويدا أسألك ، أبيع الإبل بالدنانير ، فآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم ، فآخذ الدنانير ، وآخذه هذه من هذه ؟ فقال : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها .

وحدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، ومحمد بن محبوب - المعنى واحد - قالا : حدثنا حماد ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فذكره إلى آخره . قال أبو داود : وحدثنا الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك بإسناده ومعناه ، والأول أتم ، لم يذكر بسعر يومكما .

[ ص: 14 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، قال : حدثنا محمد بن سابق ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : كنت أبيع الإبل ببقيع الغرقد ، فكنت أبيع البعير بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد أن يدخل حجرته ، فأخذت بثوبه ، فقلت : يا رسول الله ، إني أبيع ببقيع الغرقد البعير بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدرهم وآخذ الدنانير ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أخذت أحدهما بالآخر فلا تفارقه وبينك وبينه بيع .

قال أبو عمر : لم يرو هذا الحديث غير سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر مسندا ، وسماك ثقة عند قوم ، مضعف عند آخرين ، كان ابن المبارك ، يقول : سماك بن حرب ضعيف الحديث ، وكان مذهب علي فيه نحو هذا ، وقد روي عن ابن عمر معناه ، من قوله وفتواه .

وروى أبو الأحوص هذا الحديث عن سماك ، فلم يقمه ، قال فيه : عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر : كنت أبيع الذهب بالفضة ، والفضة بالذهب ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك [ ص: 15 ] وبينه لبس وكذلك رواه وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، كما قال أبو الأحوص ، ولم يقمه ، فجوده إلا حماد بن سلمة ، وإسرائيل في غير رواية وكيع ، وهذا الحديث مما فات شعبة عن سماك ، ولم يسمعه منه ، فعز عليه ، وجرى بينه وبين حماد بن سلمة في ذلك كلام فيه بعض الخشونة ، ثم سمعه منه بعد ذكر علي بن المديني ، قال : قال أبو داود الطيالسي : سمعت خالد بن طليق ، وأبا الربيع ، يسألان شعبة - وكان الذي يسأله خالد - فقال : يا أبا بسطام ، حدثني حديث سماك في اقتضاء الذهب من الورق : حديث ابن عمر ، فقال شعبة : أصلحك الله ، هذا حديث ليس يرفعه أحد إلى سماك ، وقد حدثنيه قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، ولم يرفعه ، وأخبرنيه أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، ولم يرفعه ، ورفعه سماك ، وأنا أفرق منه .

وأما قوله في هذا الحديث : بسعر يومكما ، فلم يعول عليه جماعة من الفقهاء ، وقد ذكرنا ذلك عنهم في هذا الباب ، وكان أحمد بن حنبل يقول : يأخذ الدنانير من الدراهم والدرهم من الدنانير - في الدين وغيره - بالقيمة ، وقال إسحاق : يأخذها بقيمة سعر يومه .




الخدمات العلمية