الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وأما بطلان حج من لم يدرك مع الإمام صلاة الصبح بمزدلفة من الرجال ، فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن قدامة المصيصي نا جرير بن حازم عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن عروة بن مضرس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أدرك جمعا مع الإمام والناس حتى يفيضوا منها فقد أدرك الحج ، ومن لم يدرك مع الإمام والناس فلم يدرك } .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا يحيى بن سعيد القطان نا إسماعيل بن أبي خالد أخبرني عامر الشعبي أخبرني { عروة بن مضرس الطائي قال : قلت : يا رسول الله أتيتك من جبلي طيئ أكللت مطيتي وأتعبت نفسي ، والله ما بقي من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى الغداة هاهنا ، ثم أقام معنا ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } فوجب الوقوف بمزدلفة - وهي المشعر الحرام - وذكر الله - تعالى - عندها فرض يعصي من خالفه ولا حج له ، لأنه لم يأت بما أمر ; إلا أن إدراك صلاة الفجر [ ص: 127 ] فيها مع الإمام هو الذكر المفترض ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور ، ومن أدرك شيئا من صلاة الإمام فقد أدرك الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : والعجب ممن يقول : إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائمة الإبل { في كل خمس شاة } دليل على أن غير السائمة بخلاف السائمة .

                                                                                                                                                                                          وممن يقول : إن قوله عليه السلام { وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد } دليل أن الإمام لا يقول : ربنا ولك الحمد ، وأن المأموم لا يقول : سمع الله لمن حمده ثم لا يرى قوله عليه السلام : { من صلى الغداة هاهنا معنا ، وقد أتى عرفة قبل ذلك فقد تم حجه } دليلا على أن من لم يصل الغداة هنالك مع الإمام لم يتم حجه ; فكيف وقد غنينا [ عن ذلك كله ] بنصه عليه السلام ؟ على أنه إن لم يدرك ذلك فلم يدرك الحج .

                                                                                                                                                                                          واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { الحج عرفة } ؟ قال علي : وهم أول مبطل لهذا الاحتجاج لأن عندهم فرائض يبطل الحج بتركها سوى عرفة كترك الإحرام وترك طواف الإفاضة . وترك الصفا والمروة . فكم هذا التناقض ؟ وليس قوله عليه السلام : { والحج عرفة } بمانع من أن يكون غير عرفة الحج أيضا إذا جاء بذلك نص ، وقد قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } والبيت غير عرفة بلا شك .

                                                                                                                                                                                          وسوى - تعالى - بين الأمر بعرفة ، والأمر بمزدلفة في القرآن ، وقد قال - تعالى - : { وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر } .

                                                                                                                                                                                          وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوم الحج الأكبر - هو يوم النحر - ولا يكون يوم الحج الأكبر إلا وغيره يوم الحج الأصغر ، ومحال ممتنع أن يكون - هو يوم الحج الأكبر - ولا يكون فيه من فرائض الحج شيء ويكون فرض الحج في غيره . [ ص: 128 ] فصح أن جملة فرائض الحج في يوم الحج الأكبر ، وهي الوقوف بمزدلفة الذي لا يكون في غيره ، ورمي الجمرة ، والإفاضة ; وقد يكونان فيما بعده كما عرفة فيما قبله - : روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال " من أفاض من عرفة فلا حج له " .

                                                                                                                                                                                          وقد ذكرنا عن ابن الزبير أنه كان يقول في خطبته : ألا لا صلاة إلا بجمع ; فإذا أبطل الصلاة إلا بمزدلفة فقد جعلها من فرائض الحج .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق شعبة عن داود بن يزيد الأزدي عن أبي الضحى قال : سألت علقمة عمن لم يدرك عرفات ، أو جمعا ، أو وقع بأهله يوم النحر قبل أن يزور ؟ فقال : عليه الحج .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : كان يقال : من فاته جمع أو عرفة فقد فاته الحج .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : من فاته عرفة ، أو جمع ، أو جامع قبل أن يزور فقد فسد حجه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سفيان الثوري أيضا عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي أنه قال : من فاته جمع جعلها عمرة .

                                                                                                                                                                                          وعن الحسن البصري من لم يقف بجمع فلا حج له .

                                                                                                                                                                                          وعن حماد بن أبي سليمان قال : من فاته الإفاضة من جمع فقد فاته الحج فليحل بعمرة ثم ليحج من قابل - ومن طريق شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال : يوم الحج الأكبر - هو يوم النحر - ألا ترى أنه إذا فاته عرفة لم يفته الحج وإذا فاته يوم النحر فاته الحج ؟ قال أبو محمد : صدق سعيد ; لأن من فاتته عرفة يوم عرفة لم يفته الحج لأنه يقف بعرفة ليلة يوم النحر ; وأما يوم النحر فإنما سماه الله - تعالى - : { يوم الحج الأكبر } لأن فيه فرائض ثلاثا من فرائض الحج ، وهو الوقوف بمزدلفة لا يكون جازئا إلا غداة يوم النحر ، وجمرة العقبة ، وطواف الإفاضة ، ويجوز تأخيره ; فصح أن [ ص: 129 ] مزدلفة أشد فروض الحج تأكيدا وأضيقها وقتا ; وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا .

                                                                                                                                                                                          وأما قولنا : إن النساء ، والصبيان ، والضعفاء بخلاف هذا ; فلما روينا من طريق مسلم نا محمد بن أبي بكر المقدمي نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج حدثني { عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق أن أسماء قالت له بمزدلفة : هل غاب القمر ؟ قلت : لا ، فصلت ساعة ثم قالت يا بني هل غاب القمر ؟ قلت : نعم ، قالت : ارحل بي فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثم صلت في منزلها فقلت لها أي هنتاه لقد غلسنا ، قالت : كلا أي بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله - تعالى - ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام ويقول ابن عمر أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم حدثني علي بن خشرم أنا عيسى بن يونس عن ابن جريج أخبرني عطاء : أن ابن شوال أخبره أنه دخل على أم حبيبة أم المؤمنين فأخبرته : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى عن حماد بن يزيد عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : سمعت { ابن عباس يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثقل وفي الضعفة من جمع بليل } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : كان ابن عباس حينئذ قد ناهز الاحتلام ولم يحتلم بعد ، هكذا ذكر عن نفسه في الخبر الذي فيه : أنه أتى منى على أتان ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس قال : وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام فخرج هؤلاء عن وجوب حضور صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام عليهم وبقي عليهم فرض الوقوف بمزدلفة ، وذكر الله - تعالى - هنالك ليلة [ ص: 130 ] النحر ولا بد لعموم قوله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية