الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          أنـزل إليك ، أي: أنه أنزل إليك وهو المعجزة التي تتحدى بها الخليقة أن يأتوا بسورة من مثله، فلا يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

                                                          والحرج الضيق، وأن يحس بأن الناس يجب أن يؤمنوا فلا يؤمنوا، كما قال تعالى: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين وكما قال تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا فحرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على إجابة الكافرين كان يجعله في حرج نفسي؛ إذ إن المؤمن بالحق يكون دائما حريصا على إجابة الناس له، فإن لم يجيبوا ضاق بذلك صدره من غير مغاضبة ولا معاندة، كما هو شأن النبيين -عليهم الصلاة والسلام- وقد قال تعالى: فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنـزل عليه كنـز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل

                                                          والمؤدى في كل هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضيق من الإنكار لأمر صادق لا مرية فيه، فالله تعالى يبين له أنه ليس عليه إلا الإنذار.

                                                          وقوله تعالى: فلا يكن في صدرك حرج منه الفاء هنا لترتب ما بعدها على ما قبلها، والمعنى: هذا كتاب مبارك هاد مرشد، منير للحق، فإذا لم يجيبوا فلا يكن في صدرك ضيق، فليس ذلك لنقص فيك أو فيه، وإنما هو لنقص فيهم وقد أنذرتهم، وحسبك ذلك وكفى.

                                                          وقد ذكر الله غاية الكتاب والرسالة فقال: لتنذر به وذكرى للمؤمنين

                                                          فالغاية من الكتاب الخالد أنه معجز بذاته، ولتنذر به الذين يكفرون، بأن تبين بالكتاب عاقبة كفرهم، وسوء النتيجة التي تنزل بهم، وهي العذاب الأليم، وليس عليك تبعة كفرهم، إنما أنت منذر ولكل قوم هاد، وإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.

                                                          [ ص: 2783 ] هذا بالنسبة لمن لم يؤمن، فهو لهم منذر مبين يحمل دليله في ذاته، وبالنسبة للمؤمنين قال تعالى: وذكرى للمؤمنين والذكرى هي التذكير الدائم، فهذا الأمر ذكرى لكذا، أي: مذكر دائم مستمر، يرجعون إليه، والقرآن ذكرى دائمة فيه التذكير الدائم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تذكير بالشريعة; لأن فيه كلياتها، وفيه تذكير بالرسل أجمعين; لأنه سجل معجزاتهم، وفيه تذكير دائم بالله تعالى وهو العلي الحكيم، وفيه الأوامر والنواهي، ولذلك قال تعالى:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية