الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ) هذا كلام مستأنف يؤكد مضمون ما قبله من كون مدار الفوز والفلاح في الآخرة على تقوى الله والتوسل إليه بالإيمان والعلم الصحيح ، وتزكية النفس بالعمل الصالح ، والجهاد في سبيله ، وهو شأن المؤمنين الصادقين . فهو يقول : إن مدار النجاة والفلاح على ما في نفس الإنسان ، لا على ما هو خارج عنها ، كما يتوهم الكفار في أمر الفدية ، فلو أن للذين كفروا جميع ما في الأرض ومثله معه ، وبذلوا ذلك كله دفعة واحدة ليكون فداء لهم يفتدون به من العذاب الذي يصيبهم يوم القيامة ، لا يتقبله الله تعالى منهم ، ولا ينقذهم به من العذاب ; لأن سنته الحكيمة قد مضت بأن سبب الفلاح والنجاة [ ص: 313 ] إنما يكون من نفس الإنسان ، لا من الأشياء التي تكون خارجها ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) ( 91 : 9 ، 10 ) ولهم عذاب شديد الألم قد استحقوه بكفرهم ، وما استتبعه من سيئات أعمالهم ; اتكالا منهم على الفدية والشفعاء ، وهذا فرق جوهري واضح بين الإسلام وغيره من الأديان ; فالإسلام دين الفطرة ، وسنة الله تعالى فيها أن سعادة الإنسان البدنية والنفسية في الدنيا والآخرة ، من نفسه لا من غيره ; فالنصارى يعتقدون أن خلاصهم ونجاتهم وسعادتهم بكون المسيح فدية لهم يفتديهم بنفسه مهما كانت حالهم ، وأكثرهم يضمون إلى المسيح الرسل والقديسين ، ويرون أن الله يحل ما يحلونه ، ويعقد ما يعقدونه ، وأنهم شفعاء لهم عنده ، وأما المسلمون فيعتقدون أن العمدة في النجاة والفلاح تزكية النفس بالإيمان والفضائل والأعمال الصالحة ; فبذلك تصلح نفوسهم ، وتكون أهلا لرضوان الله تعالى ، وأن من دسى نفسه بالشرك والفسق والفساد في الأرض لا يكون أهلا لمرضاة الله ودار كرامته ، فلا يقبل منه فداء ، ولا تنفعه شفاعة الشافعين .

                          ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) يريد الذين كفروا أن يخرجوا من النار دار العذاب والشقاء بعد دخولهم فيها ، وما هم بخارجين منها ألبتة ، كما يدل عليه تأكيد النفي بالباء ، ثم أكد مضمون ذلك بإثبات العذاب المقيم لهم ، والمقيم هو الثابت الذي لا يظعن ، والآية استئناف بياني ; إذ من شأن من سمع الآية التي قبلها أن تستشرف نفسه للسؤال عن حال أولئك الكفار الذين لا يتقبل منهم فداء مهما جل وعظم ، فجاءت هذه الآية بالجواب . ثم قال تعالى :

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية