الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( وأما أحكام الإدغام ) فإن له شرطا وسببا ومانعا . فشرطه في المدغم أن يلتقي الحرفان خطا لا لفظا ، ليدخل نحو إنه هو ويخرج نحو أنا نذير وفي المدغم فيه كونه أكثر من حرف إن كانا بكلمة واحدة ليدخل نحو خلقكم ويخرج نحو يرزقكم وسببه التماثل والتجانس والتقارب ، قيل : والتشارك والتلاصق والتكافؤ ، والأكثرون على الاكتفاء بالتماثل والتقارب . فالتماثل أن يتفقا مخرجا وصفة كالباء في الباء ، والتاء في التاء ، وسائر المتماثلين ، والتجانس أن يتفقا مخرجا ويختلفا صفة كالذال في الثاء ، والثاء في الظاء ، والتاء في الدال ، والتقارب أن يتقاربا مخرجا ، أو صفة ، أو مخرجا وصفة كما سيأتي ، [ ص: 279 ] وموانعه المتفق عليها ثلاثة : كون الأول تاء ضمير ، أو مشددا ، أو منونا . أما تاء الضمير فسواء كان متكلما أو مخاطبا نحو كنت ترابا أفأنت تسمع خلقت طينا جئت شيئا إمرا ، وأما المشدد فنحو رب بما ، مس سقر ، فتم ميقات ، الحق كمن ، أو أشد ذكرا ، وهم بها وليس إن وليي الله من باب الإدغام ; فلذلك نذكره في موضعه - إن شاء الله تعالى - وأما المنون فنحو غفور رحيم ، سميع عليم ، وسارب بالنهار ، نعمة تمنها ، في ظلمات ثلاث ، شديد تحسبهم ، رجل رشيد ، لذكر لك ، كعصف مأكول ، لإيلاف قريش . وقد وهم فيه الجعبري ، وتقدمه إلى ذلك الهذلي ، .

                                                          والمختلف فيه : الجزم ، قيل : وقلة الحروف وتوالي الإعلال ومصيره إلى حرف مد ، واختص بعض المتقاربين بخفة الفتحة ، أو بسكون ما قبله ، أو بهما كليهما ، أو بفقد المجاور ، أو عدم التكرر ، واعلم أن ما تكافأ في المنزلة من الحروف المتقاربة فإدغامه جائز ، وما زاد صوته فإدغامه ممتنع ؛ للإخلال الذي يلحقه ، وإدغام الأنقص صوتا في الأزيد جائز مختار لخروجه من حال الضعف إلى حال القوة .

                                                          فأما الجزم فورد في المتماثلين في قوله تعالى : ومن يبتغ غير ، يخل لكم ، وإن يك كاذبا ، وفي المتجانسين ولتأت طائفة ألحق به وآت ذا القربى لقوة الكسرة ، وفي المتقاربين في قوله : ولم يؤت سعة فأكثرهم على الاعتداد به مانعا مطلقا ، وهو مذهب أبي بكر بن مجاهد وأصحابه وبعضهم لم يعتد به مطلقا ، وهو مذهب ابن شنبوذ وأبي بكر الداجوني ، والمشهور الاعتداد به في المتقاربين وإجراء الوجهين في غيره ما لم يكن مفتوحا بعد ساكن ؛ ولهذا كان الخلاف في يؤت سعة ضعيفا ، وفي غيره قويا ، وسيأتي الكلام على كل من ذلك مفصلا .

                                                          فإن وجد الشرط والسبب وارتفع المانع جاز الإدغام ، فإن كانا مثلين أسكن الأول وأدغم ، وإن كانا غير مثلين قلب كالثاني وأسكن ، ثم أدغم وارتفع اللسان عنهما دفعة واحدة من غير وقف على الأول ، ولا فصل بحركة ، ولا روم [ ص: 280 ] وليس بإدخال حرف بحرف كما ذهب إليه بعضهم ، بل الصحيح أن الحرفين ملفوظ بهما كما وصفنا طلبا للتخفيف ، ولم يدغم من المثلين في كلمة واحدة إلا قوله تعالى : مناسككم في البقرة و ما سلككم في المدثر ، وأظهر ما عداهما نحو : جباههم و وجوههم ، و أتحاجوننا ، و بشرككم وشبهه ، إذا علم ذلك فليعلم أن من الحروف الألف والهمزة لا يدغمان ، ولا يدغم فيهما ، ومنها خمسة أحرف لم تلق مثلها ، ولا جنسها ، ولا مقاربها ، فيدغم فيها ، وهي : الخاء ، والزاي ، والصاد ، والطاء ، والظاء ، ومنها ستة أحرف لقيت مثلها ولم تلق جنسها ، ولا مقاربها وهي : العين ، والغين ، والفاء ، والهاء ، والواو ، والياء - ومنها خمسة لقيت مجانسها ، أو مقاربها ولم تلق مثلها وهي : الجيم ، والشين ، والدال ، والذال ، والضاد ، وبقي من الحروف أحد عشر حرفا لقيت مثلها ، أو مقاربها ، أو مجانسها وهي : الباء ، والتاء ، والثاء ، والحاء ، والراء ، والسين ، والقاف ، والكاف ، واللام ، والميم ، والنون ، فجملة اللاقي مثله متحركا سبعة عشر ، وجملة اللاقي مجانسه أو مقاربه ستة عشر حرفا . تفصيل السبعة عشر اللاقية مثلها .

                                                          " فالباء " ، نحو قوله تعالى : لذهب بسمعهم ، الكتاب بالحق ، وجملة ما في القرآن من ذلك سبعة وخمسون حرفا عند من يبسمل بين السورتين ، أو عند من بسمل إذا لم يصل آخر السورة بالبسملة ، وهي عنده إذا وصل تسعة وخمسون حرفا لزيادة آخر الرعد وإبراهيم .

                                                          " والتاء " ، نحو : ( الموت تحسبونهما ) ، ونحو : ( الشوكة تكون ) ، مما ينقلب في الوقف هاء ، وجملة الجميع أربعة عشر حرفا .

                                                          " والثاء " ، وهو ثلاثة أحرف : حيث ثقفتموهم في البقرة والنساء ، و ثالث ثلاثة في المائدة .

                                                          " والحاء " ، في موضعين : النكاح حتى ، و لا أبرح حتى في الكهف .

                                                          " والراء " نحو شهر رمضان ، الأبرار ربنا وجملته خمس وثلاثون حرفا .

                                                          " والسين " الناس سكارى ، للناس سواء كلاهما في الحج الشمس سراجا في نوح ثلاثة مواضع لا غير .

                                                          " والعين " يشفع عنده ثمانية عشر حرفا .

                                                          " والغين " ، ومن يبتغ غير [ ص: 281 ] موضع واحد لا غير ، واختلف فيه لحذف لامه بالجزم ، فروى إدغامه أبو الحسن الجوهري ، عن أبي طاهر ، ومحمد الكاتب ، وابن أبي مرة النقاش كلهم عن ابن مجاهد ، ونص عليهم بالإدغام وجها واحدا الحافظ أبو العلاء وأبو العز ، وابن الفحام ، ومن وافقهم . وروى إظهاره سائر أصحاب ابن مجاهد ونص عليه بالإظهار ابن شيطا وأبو الفضل الخزاعي ، وغير واحد . وروى الوجهين جميعا أبو بكر الشذائي ، ونص عليهما أبو عمرو الداني ، وابن سوار وأبو القاسم الشاطبي ، وسبط الخياط وغيرهم .

                                                          ( قلت ) : والوجهان صحيحان فيه فيما هو مثله مما يأتي من المجزوم .

                                                          " والفاء " نحو وما اختلف فيه ، وجملته ثلاثة وعشرون حرفا .

                                                          " والقاف " خمسة مواضع ، الرزق قل ، أفاق قال ، ينفق قربات ، الغرق قال ، طرائق قددا .

                                                          " والكاف " نحو ربك كثيرا ، إنك كنت وجملته ستة وثلاثون حرفا ، واختلف عنه في يك كاذبا كما تقدم في يبتغ غير وأظهر يحزنك كفره لكون النون قبلها مخفاة عندها فلو أخفاها على المختار عندهم كما سيأتي لوالى بين إخفائين . ولو أدغمهما لوالى بين إعلالين ، وانفرد الخزاعي عن الشذائي عن ابن شنبوذ ، عن القاسم بن عبد الوارث ، عن الدوري بإدغامه ولم يروه أحد عن الدوري سواه ، ولا نعلمه ورد عن السوسي ألبتة ، وإنما رواه أبو القاسم بن الفحام ، عن مدين ، عن أصحابه ، ورواه عبد الرحمن بن واقد ، عن عباس وعبد الله بن عمر الزهري ، عن أبي زيد ، كلاهما عن أبي عمرو ، قال الداني : والأخذ والعمل بخلافه .

                                                          " واللام " نحو لا قبل لهم ، جعل لك وجملته مائتان وعشرون حرفا ، واختلف منها عنه في يخل لكم ، و آل لوط أما يحل فهو من المجزوم وتقدم ، وأما آل لوط فأربعة مواضع ، منها في الحجر موضعان وواحد في النمل ، وآخر في القمر ، فروى إدغامه أبو طاهر بن سوار عن النهرواني وأبو الفتح بن شيطا عن الحمامي وابن العلاف ، ثلاثتهم عن ابن فرح عن الدوري ، ورواه أيضا ابن حبش عن السوسي وبذلك قرأ الداني . وكذا رواه شجاع ، عن أبي عمرو ومدين ، والحسين بن شريك الآدمي ، عن أصحابهما ، والحسن بن بشار العلاف عن الدوري ، وعن أحمد بن جبير ، [ ص: 282 ] كلهم عن اليزيدي وهي رواية أبي زيد وابن وافد عن ابن عباس كلاهما ، عن أبي عمرو ، وروى إظهاره سائر الجماعة ، وهو اختيار ابن مجاهد ورواه ، عن عصمة ومعاذ ، عن أبي عمرو نصا ، واختلف المظهرون في مانع إدغامه ؛ فروى ابن مجاهد ، عن عصمة بن عروة الفقيمي ، عن أبي عمرو : لا أدغمها لقلة حروفها ، ورد الداني هذا المانع بإدغام لك كيدا إجماعا ، إذ هو أقل حروفا من " آل " فإن هذه الكلمة على وزن قال لفظا ، وإن كان رسمها بحرفين اختصارا . قالالداني : وإذا صح الإظهار فيه بالنص ولا أعلمه من طريق اليزيدي ، فإنما ذلك من أجل اعتلال عينه بالبدل إذا كانت هاء على قول البصريين والأصل " أهل " ، وواوا على قول الكوفيين والأصل " أول " ، فأبدلت الهاء همزة لقرب مخرجها ، وانقلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها فصار ذلك كسائر المعتل الذي يؤثر الإظهار فيه للتغيير الذي لحقه لا لقلة حروف الكلمة .

                                                          ( قلت ) : ولعل أبا عمرو أراد بقوله : لقلة حروفها ، أي : لقلة دورها في القرآن ، فإن قلة الدور وكثرته معتبر كما سيأتي في المتقاربين .

                                                          على أن أبا عمرو من البصريين ولعله أيضا راعى كثرة الاعتلال وقلة الحروف مع اتباع الرواية ، والله أعلم .

                                                          " والميم " نحو ( الرحيم ملك ) ، آدم من ربه وجملته مائة وتسعة وثلاثون حرفا .

                                                          " والنون " نحو ونحن نسبح ، ويستحيون نساءكم وجملته سبعون حرفا .

                                                          " والواو " نحو هو والذين ، هو والملائكة مما قبل الواو فيه مضموم ، وجملته ثلاثة عشر حرفا ، ونحو وهو وليهم و العفو وأمر مما قبلها ساكن وجملته خمسة أحرف تتمة ثمانية عشر حرفا .

                                                          وقد اختلف فيما قبل الواو مضموم ، فروى إدغامه ابن فرح من جميع طرقه إلا العطار وابن شيطا عن الحمامي ، عن زيد عنه . وكذا أبو الزعراء من طريق ابن شيطا عن ابن العلاف ، عن أبي طاهر عن ابن مجاهد وابن جرير عن السوسي ، وهي رواية الحسن بن بشار عن الدوري ، وابن رومي وابن جبير ، كلاهما عن اليزيدي ، وبه قرأ فارس بن أحمد وطاهر بن غلبون ، وهو اختيار ابن شنبوذ والجلة من المصريين والمغاربة .

                                                          [ ص: 283 ] وروى إظهاره سائر البغداديين سوى من ذكرناه ، وهو اختيار ابن مجاهد وأكثر أصحابه ، واختلفوا في مانع الإدغام ، فالأكثرون منهم على أن ذلك من أجل أن الواو تسكن للإدغام فتصير بمنزلة الواو التي هي حرف مد ولين في نحو قوله تعالى : آمنوا وعملوا مما لا يدغم إجماعا من أجل المد ، ورد المحققون ذلك بالإجماع على جواز إدغام نحو نودي ياموسى و أن يأتي يوم ولا فرق بين الواو والياء مع أن تسكينها للإدغام عارض . وقيل : لقلة حروفه ، ورد بما تقدم ، والصحيح اعتبار المانعين جميعا ، وإن كانا ضعيفين ، فإن الضعيف إذا اجتمع إلى ضعيف أكسبه قوة ، وقد قيل : وضعيفان يغلبان قويا . على أن الداني قال في جامع البيان " : وبالوجهين قرأت ذلك ، واختار الإدغام لاطراده وجريه على قياس نظائره ، ثم قال : فإن سكن ما قبل الواو وسواء كان هاء أو غيرها فلا خوف في إدغام الواو في مثلها ، وذلك نحو وهو وليهم و خذ العفو وأمر .

                                                          قلت : وإنما نبه على ما قبل الواو فيه ساكن وسوى فيه بين الهاء وغيرها من أجل ما رواه بعضهم من الإظهار في فهو وليهم في الأنعام فهو وليهم في النحل وهو واقع بهم في الشورى . فلا يعتد بهذا الخلاف لضعف حجته وانفراد روايته عن الجادة ، فإن الذي ذكر في هو المضموم الهاء مفقود هنا ، وإن قيل بتوالي الإعلال فيلزم مثله في نحو : فهي يومئذ وقد أجمعوا على جواز إدغامه فلا فرق . قال القاضي أبو العلاء : قال ابن مجاهد : إدغامهن قياس مذهب أبي عمرو ; لأن ما قبل الواو منهن ساكن كما هو في خذ العفو وأمر و من اللهو ومن التجارة قال : وأقرأنا ابن حبش عنه بالإظهار ، ووقع في تجريد ابن الفحام أن شيخه عبد الباقي روى فيهن الإظهار وصوابه أن عبد الباقي يروي إدغامهن ، وأن شيخه الفارسي يروي إظهارهن فسبق القلم سهوا ، والسهو قد يكون في الخط ، وقد يكون في اللفظ ، وقد يكون في الحفظ ، والصحيح أن لا فرق بين وهو وليهم وبين العفو وأمر وبين فهي يومئذ ; إذ لا يصح نص عن أبي عمرو [ ص: 284 ] وأصحابه بخلافه ، وما روي عن ابن جبير وابن سعدان عن اليزيدي من خلاف ذلك فلا يصح ، والله أعلم .

                                                          " والهاء " نحو فيه هدى . جاوزه هو . لعبادته هل وتحذف الصلة وتدغم للالتقاء خطا ؛ ولأن الصلة عبارة عن إشباع حركة الهاء تقوية لها ، فلم يكن لها استقلال ، ولهذا تحذف للساكن ; فلذلك لم يعتد بها . وقد حكى الداني عن ابن مجاهد أنه كان يختار ترك الإدغام في هذا الضرب ويقول : إن شرط الإدغام أن تسقط له الحركة من الحرف الأول لا غير ، وإدغام : جاوزه هو ونظائره يوجب سقوط الواو التي بين الهائين وإسقاط حركة الهاء ، وليس ذلك من شرط الإدغام . قال : وقد ذهب إلى ما قاله جماعة من النحويين ، وقد بينا فساد ذلك .

                                                          ( قلت ) : ممن ذهب إلى عدم إدغامه أيضا أبو حاتم السجستاني وأصحابه ، والصواب إدغامه . فقد روى محمد بن شجاع البلخي إدغامه نصا عن اليزيدي ، عن أبي عمرو في قوله : إلهه هواه ورواه العباس ، وروى أبو زيد أيضا ، عن أبي عمرو إدغام " إنه هو التواب " ، ولم يأت عنه نص بخلاف ذلك ، وجملة ما ورد من ذلك خمسة وتسعون حرفا ، انفرد الكارزيني بإظهار جاوزه هو دون سائر الباب . ذكر أنه قرأه على أصحاب ابن مجاهد بالإظهار . حكى ذلك عنه سبط الخياط .

                                                          ( قلت ) : والصواب ما عليه إجماع أهل الأداء من إدغام الباب كله من غير فرق والله أعلم .

                                                          " والياء " ثمانية مواضع يأتي يوم في البقرة ، وإبراهيم ، والروم ، والشورى ومن خزي يومئذ ، والبغي يعظكم و نودي ياموسى ، فهي يومئذ واهية ، وقد ذكر الداني في هذا الباب قوله تعالى : واللائي يئسن في سورة الطلاق ، ونص له على إظهاره وجها واحدا على مذهبه في إبدالها ياء ساكنة وتبعه على ذلك أبو القاسم الشاطبي ، والصفراوي ، وأصحابهم ، وقياس ذلك إظهارها للبزي أيضا وتعقب ذلك عليهم أبو جعفر بن الباذش ، ومن تبعه من الأندلسيين ولم يجعلوه من هذا الباب ، بل جعلوه من الإدغام الصغير ، وأوجبوا إدغامه في مذهب من سكن الياء مبدلة وصوبه أبو شامة فقال : الصواب [ ص: 285 ] أن يقال لا مدخل لهذه الكلمة في هذا الباب بنفي ، أو إثبات ، فإن الياء ساكنة وباب الإدغام الكبير مختص بإدغام المتحرك ، وإنما موضع ذكر هذه قوله : وما أول المثلين فيه مسكن ، فلا بد من إدغامه . قال : وعند ذلك يجب إدغامه لسكون الأول وقبله حرف مد فالتقاء الساكنين على حدهما . انتهى .

                                                          ( قلت ) : وكل من وجهتي الإظهار والإدغام مأخوذ به وبهما قرأت على أصحاب أبي حيان ، عن قراءتهم بذلك عليه فوجه الإظهار توالي الإعلال من وجهين : أحدهما أن أصل هذه الكلمة اللاي كما قرأ ابن عامر والكوفيون ، فحذفت الياء لتطرفها وانكسار ما قبلها ، كما قرأ نافع في غير رواية ورش وابن كثير في رواية قنبل وغيره ويعقوب ، ثم خففت الهمزة لثقلها وحشوها ، فأبدلت ياء ساكنة على غير قياس فحصل في هذه الكلمة إعلالان ، فلم تكن لتعل ثالثا بالإدغام . الثاني أن أصل هذه الياء الهمزة فإبدالها وتسكينها عارض ولم يعتد بالعارض فيها فعوملت الهمزة وهي مبدلة معاملتها وهي محققة ظاهرة لأنها في النية ، والمراد والتقدير إذا كان كذلك لم تدغم ( ووجه ) الإدغام ظاهر من وجهين : ( أحدهما ) أن سبب الإدغام قوي باجتماع المثلين ، وسبق أحدهما بالسكون فحسن الاعتداد بالعارض لذلك ، وذلك أصل مطرد عندهم غير منخرم ، ألا ترى إلى إدغام رؤياي في مذهب أبي جعفر وغيره وكيف عوملت الهمزة المبدلة واوا معاملة الأصلية ، وفعل بها كما فعل في مقضيا و وليا فأبدلت ياء من أجل الياء بعدها وأدغمت فيها ( الثاني ) أن اللاي بياء ساكنة من غير همزة لغة ثابتة في اللائي ، قال أبو عمرو بن العلاء : هي لغة قريش ، فعلى هذا يجب الإدغام على حده بلا نظر ، ويكون من الإدغام الصغير . وإنما أظهرت في قراءة الكوفيين وابن عامر من أجل أنها وقعت حرف مد فامتنع إدغامها لذلك ، فجملة الحروف المدغمة في مثلها على مذهب ابن مجاهد بما فيه من الحرفين اللذين من كلمة سبعمائة وتسعة وأربعون حرفا ، والله تعالى أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية