الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القسم الثاني

                                                                                                                فوات كل المنفعة عرفا ، قال اللخمي : إذا انقطع ماء الرحا ولا ترجى عودته إلا بعد بعد : فله الفسخ لعدم تسليم المنفعة ، أو يرجى على القرب لم يفسخ لقلة الضرر ، وحيث فسخ ثم عاد عن قرب فهل يبطل الفسخ لبطلان السبب أو لا ; لأنه بطل العقد فلا يعود إلا بإنشاء آخر ؟ قولان ، فإن لم يتفاسخا حتى عاد الماء عن قرب ، بطل الفسخ ، أو عن بعد عاد الخلاف : هل عدم المنافع فسخ أو حتى يفسخا ؟ وكذلك السفينة يأتي عليها الشتاء ثم يعود الصيف ، فيها قولان ، وارتحال الناس عن المحلة يفسخ كراء الدار ; لتعذر استقرار الإنسان وحده ، وكذلك الفندق ، وحيث عاد الماء في الرحا إن اتفقا على وقت انقطاعه ، واختلفا في وقت رجوعه ، صدق المكتري ; لأن الأصل : براءته من الأجرة ، وإن اختلفا في وقت الانقطاع والرجوع ، صدق المكري عند ابن القاسم ; لأن الأصل الماء ابتداء والمكتري عند سحنون لبراءته من الأجرة ، فإن لم يعد حتى انقضت السنة واختلفا في وقت الانقطاع : فعلى قول ابن القاسم يصدق المكري ، وعلى قول سحنون : المكتري ، ولو كانت دارا واتفقا على وقت الانهدام ، واختلفا في وقت الإعادة صدق المكتري استصحابا للحالة ، وإن اختلفا في وقت الانهدام واتفقا على وقت الإعادة صدق المكتري عند ابن القاسم ، خلافا لسحنون ، فإن لم يعد البناء فعلى مثل ذلك الاختلاف ، قال [ ص: 534 ] أشهب : إذا قال الأجير : عملت السنة ، وقال المستأجر : بل بطلت ، صدق المستأجر ; لأن الأصل : عدم العمل ، قال محمد : وسواء كان منقطعا إليه أم لا ، وقاله ابن القاسم إذا لم يكن مأواه إليه ، وإلا صدق الأجير حرا كان أو عبدا ; لأن الغالب مع الإقامة عنده العمل ، وقال عبد الملك : إن كان عبدا يأوي عنده ، صدق المستأجر ، نقد أم لا ; لأنه لما أوى عنده فقد أمن عليه فيصدق ، وكذلك لو ادعى أياما : فإن كان يختلف إليه صدق السيد ، ويصدق الحر ، كان يأوي إليه أم لا ، قبض الأجرة أم لا ; لأن الأصل الوفاء بالعقد ، قال : وقول أشهب أحسن ، بخلاف الماء والدار ; لأنهما سلما تسليما واحدا ، والأصل : بقاؤهما حتى يعلم خلافه ، ومنافع الأجير بيده ، يسلمها في كل يوم ، قال ابن يونس : إن ادعى هدم الدار ولم يعلم به أحد ، لم يصدق لأنه خلاف العادة ، وإذا قال الساكن : لم أسكن إلا كذا ، صدق عند مالك ; لأن الأصل : عدم السكنى ، وفي المدونة : قال رب الرحا والدار : قد انقضت السنة ، وقال المكتري : بل شهران ، وقد انهدمت الدار الآن أو انقطع ماء الرحا صدق المكتري ، لأن الأصل : عدم التسليم في المنفعة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : مرض العبد المرض البين وإباقه في المدة يوجب الفسخ ، فإن صح أو رجع في بقية المدة لزمه إتمامها توفية للعقد ، قال غيره : إلا أن يكون فسخ ذلك ، وقال في غير هذا التمادي حتى يتفاسخا قبل ذلك ; للتمكن من [ ص: 535 ] المنفعة ، قال ابن يونس : وكذلك الدار ينهدم بعضها ثم يصلح قبل الفسخ قبل تمام المدة ، فإن انهدمت كلها وانتقل المكتري عنها لم تعد الإجارة بالبناء ; لأنها دار غير الأولى ، ولو بناها مثلها ، بل ذلك كموت العبد المستأجر ، وقاله الأئمة ، وإن كان الجل كان له الخروج ، قال ابن حبيب : ليس له منع المكتري من الإصلاح من ماله ; لأنه مضار بمنعه ، قال ابن يونس : إذا انهدم من حمام أو رحا ما يضر بالمكتري : قال ابن حبيب : إن أضر به في التأخير إلى الإصلاح ، فله الفسخ ، وإلا فلا ، ولو استأجره على عجن ويبة في هذا اليوم ، أو يطحن له في هذا الشهر كل يوم ويبة ، لا يضر فوات ذلك الوقت ، ويعمل بعد ذلك ; لأن الذي يعدم الوقت فيه مقصود ، وهاهنا المقصود : العمل ، وكذلك السقي يشترط عليه كل يوم قربة ، ولو استأجر العبد شهرا على أن له راحة يومين فبطل أكثر منهما : قال مالك : إن شرط على المستأجر النفقة في يوم الراحة ، حوسب على البطالة من حساب ثلاثين ، وإلا حوسب على ثمانية وعشرين ; لأنها مدة العقد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا هطل البيت لم يجبر المكري على الطر ; لأنه سلم البيت وللمكتري طره من الأجرة ، وله الخروج في الطر البين إلى أن يطرها ربها ، وقال غيره : الطر وكنس المراحيض مما يلزم رب الدار ، وكذلك لو انهدمت الدار أو بيتا منها لم يجبر على البنيان ، بل للمكتري الخروج إن تضرر ، ويقاصه من الكراء بحساب ما سكن ، وإلا فلا ، وليس له الإصلاح من الكراء إلا بإذنه ; لأن العقد لم يتناول إلا تلك البينة ، فإن بناها في بقية مدة الكراء لزم المكتري السكنى لزوال الضرر إن كان لم يخرج ، وإلا فلا يلزمه الرجوع ; لأنه قد يتضرر بإجارة دار أخرى ، قال ابن يونس : قال محمد : إذا خرج واكترى غيرها [ ص: 536 ] فأصلحت لم يصلح الرجوع ; لأن بقية الكراء بقي دينا على المكتري ، فلا يأخذ فيه سكنى دار ، وإن لم ينقد المكتري الكراء جاز التراضي بسكنى ما بقي إذا علمت حصته من بقية الكراء ، قال أصبغ : إلا أن يصلح في الأيام اليسيرة فيلزمه ما بقي لعدم الضرر ، ويفسخ ما بين ذلك في العمارة لا في الهدم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا غرق بعض الأرض أو عطش قبل الزراعة وهو أكثرها . رد جميعها لذهاب جل الصفقة ، أو قليلا تافها حطت حصته من الكراء في جودته ورداءته ، وكذلك الاستحقاق ، قال ابن يونس : قيل : تسويته بين العطش والاستحقاق يقتضي : إذا غرق نصف الأرض أو ثلثها أن يرد البقية ، وقد قيل : إذا استحق النصف لا رد له ، وينبغي إن تضرر المشتري في الاستحقاق بالنصف رد وإلا فلا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا اكترى الأرض ثلاث سنين فغارت العين أو انهدمت البئر وامتنع من الإنفاق عليها : فللمكتري حصة تلك السنة خاصة ينفقها فيها ; لأنها المحتاج إليها فإن زاد فهو متطوع ، وكذلك المساقي له نفقة حصة رب الأرض من الثمرة تلك السنة ، بخلاف الدور ; لأن المكتري لا نفقة له فيها ، فلا ضرر عليه في الخروج ، ولو لم يزرع المكتري ولا سقى المساقي لم يكن لهما إنفاق ، قال اللخمي : قال مالك في المرتهن الزرع أو النخل : له الإنفاق إن امتنع ربه ، والنفقة في الزرع ورقاب النخل لئلا يهلك رهنه فهو معذور كالمكتري والمساقي ، ويبدأ من الرهن بما أنفق ; لأنه أخص به من الدين ، وإن لم يوف لم [ ص: 537 ] يكن الفاضل على المالك ; لأنه لا يجب عليه الإصلاح ، وإذا لم يزرع المكتري خير ربها بين الإصلاح أو الإذن فيه ، فإن أبى رد إلا أن يرضى بالإصلاح على جملة الكراء ، وكذلك إن قلب الأرض ولم يبذر ، ولا يجبر لأنه إذا رد - كان كراء الأرض بينهما بقيمة الأرض غير محروثة ، وقيمة الحرث ، فإن لم يوجد من يكتريها فكما لو زرعت لئلا تذهب نفقته فيها أو عمله .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية