الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 531 ] 15 - باب من انتظر الإقامة

                                600 626 - حدثنا أبو اليمان : أبنا شعيب ، عن الزهري : أبنا عروة بن الزبير ، أن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة .

                                التالي السابق


                                قول عائشة : ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سكت المؤذن ) - أي : فرغ من أذانه .

                                قولها : ( بالأولى [ من ] صلاة الفجر ) - تعني : بالمرة الأولى .

                                وهذا يحتمل أن تكون أرادت به أنه كان يصلي الركعتين قبل فراغ المؤذن من أذانه قبل الإقامة ، فإن الأذان والإقامة يسميان أذانين ، كما في حديث عبد الله بن مغفل المتقدم ، ويحتمل أن تكون أرادت أن الأذان نفسه كان يكرر مرتين ، فيؤذن بلال وبعده ابن أم مكتوم ، فكانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد بلال قبل أذان ابن أم مكتوم ، إذا تبين الفجر للنبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتي الفجر ، ولم يتوقف على أذان ابن أم مكتوم ، فإن ابن أم مكتوم كان يسفر بأذان الفجر ، ولا يؤذن حتى يقال له : أصبحت .

                                فإن قيل : فكيف أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأكل في الصيام إلى أذان ابن أم مكتوم ، والأكل يحرم بمجرد طلوع الفجر ؟ وقد روي في حديث أنيسة : أنهم كانوا يأمرونه أن يؤخر الأذان حتى يكملوا السحور .

                                قيل : هذا مما أشكل فهمه على كثير من الناس ، وقد تأول بعضهم قولهم لابن أم مكتوم : " أصبحت ، أصبحت " على أن المراد قاربت الصباح [ بعد تبين [ ص: 532 ] طلوع الفجر لا تحرم في وقت طلوعه سواء ] .

                                والأحاديث والآثار المروية عن الصحابة في هذا المعنى كثيرة جدا .

                                وليس هذا قول الكوفيين الذين كانوا يستحبون الأكل والشرب إلى انتشار الضوء على وجه الأرض ؛ فإن ذلك قول شاذ منكر عند جمهور العلماء ، وستأتي المسألة في موضعها مبسوطة - إن شاء الله تعالى .

                                وسيأتي الكلام على الاضطجاع بعد صلاة ركعتي الفجر في موضع آخر - إن شاء الله تعالى .

                                وإنما المقصود هنا : قولها : ( حتى يأتيه المؤذن للإقامة ) ؛ فإن هذا يدل على أنه يجوز انتظار المصلي للإقامة ، وأن يؤخر دخول المسجد خارجا منه حتى تقام الصلاة ، فيدخل حينئذ .

                                وهذا هو مقصود البخاري في هذا الباب ، وأراد بذلك مخالفة من كره انتظار الإقامة ، فإن طائفة من السلف كرهوه وغلظوا .

                                حتى روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه قال : هو هرب من دين محمد والإسلام .

                                وقد كرهه من المتأخرين من أصحابنا ، وقالوا : يكره للقادر على الدخول إلى المسجد قبل الإقامة أن يجلس خارج المسجد ينتظر الإقامة ، ذلك تفوت به فضيلة السبق إلى المسجد وانتظار الصلاة فيه ، ولحقوق الصف الأول .

                                وقد ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التهجير إلى الصلاة، وهو القصد إلى المساجد في الهجير ، إما قبل الأذان أو بعده ، كما ندب إلى التهجير إلى الجمعة : انتظار الصلاة بعد الصلاة ، وقال للذين انتظروه إلى قريب من شطر الليل لصلاة [ ص: 533 ] العشاء : ( إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ) .

                                وقد كان كثير من السلف يأتي المسجد قبل الأذان ، منهم : سعيد بن المسيب ، وكان الإمام أحمد يفعله في صلاة الفجر .

                                وقال ابن عيينة : لا تكن مثل أجير السوء ، لا يأتي حتى يدعى .

                                يشير إلى أنه يستحب إتيان المسجد قبل أن ينادي المؤذن .

                                وقال بعض السلف في قول الله تعالى : والسابقون السابقون إنهم أول الناس خروجا إلى المسجد وإلى الجهاد .

                                وفي قوله : سابقوا إلى مغفرة من ربكم قال مكحول : التكبيرة الأولى مع الإمام . وقال غيره : التكبيرة الأولى والصف الأول .

                                قال ابن عبد البر : لا أعلم خلافا بين العلماء أن من بكر وانتظر الصلاة ، وإن لم يصل في الصف الأول أفضل ممن تأخر ، وإن صلى في الصف الأول .

                                وروى المعافى ، عن سفيان الثوري ، قال : مجيئك إلى الصلاة قبل الإقامة توقير للصلاة .

                                فمن كان فارغا لا شغل له ، وجلس إلى الصلاة قبل الإقامة على باب المسجد ، أو قريبا منه ينتظر أن تقام الصلاة فيدخل المسجد ، وخصوصا إن كان على غير طهارة ، وإنما ينتظر في المسجد إذا دخل المسجد بعد الإقامة ، فهو مقصر راغب عن الفضائل المندوب إليها .

                                ولكن هذا كله في حق المأموم ، وقد تقدم من حديث أبي المثنى ، عن ابن عمر ، قال : كان أحدنا إذا سمع الإقامة توضأ وخرج من وقته .

                                وفيه دليل على أن الصحابة كانوا ينتظرون الإقامة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

                                فأما الإمام ، فإنه إذا انتظر إتيان المؤذن له في بيته حتى يؤذنه بالصلاة [ ص: 534 ] ويخرج معه فيقيم الصلاة حينئذ بالمسجد فيصلي بالناس ، فهذا غير مكروه بالإجماع ، وهذه كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم .

                                وفي حديث ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتي الفجر ، واضطجع حتى يأتيه المؤذن بالإقامة ؛ فإن الإقامة إنما تكون بإذن الإمام ، أو عند خروجه إلى الناس ، بخلاف الأذان .

                                وفي " صحيح مسلم " عن جابر بن سمرة ، قال : كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس ، فلا يقيم حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه .

                                وقال علي : المؤذن أملك بالأذان ، والإمام أملك بالإقامة .

                                خرجه البيهقي .

                                وقال : روي من حديث أبي هريرة - مرفوعا ، وليس بمحفوظ .



                                الخدمات العلمية