الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أكرهوه على أن يقر لرجل بألف درهم ، فأقر له بخمسمائة كان باطلا ; لأنهم حين أكرهوه على ألف ، فقد أكرهوه على أقل منها ، فالخمسمائة بعض الألف ، ومن ضرورة امتناع صحة الإقرار بالألف إذا كان مكرها امتناع صحة إقراره بما هو دونه ، ولأن هذا من عادات الظلمة أنهم يكرهون المرء على الإقرار ، وبدل الحط بألف ، ويقنعون منه ببعضه ، فبهذا الطريق جعل مكرها على ما دون الألف ، ولو أقر بألفين لزمه ألف درهم ; لأنه طائع في الإقرار في أحد الألفين ، وليس من عادات الظلمة أن يتحكموا على المرء بمال ، ومرادهم أكثر من ذلك ، وفرق أبو حنيفة بين هذا ، وبين ما إذا شهد أحد الشاهدين بألف ، والآخر بألفين ، فإن هناك لا تقبل الشهادة على شيء ، وقال هناك لا يصح إقراره بقدر ألف ، وتصح الزيادة ; لأن في الشهادة تعتبر الموافقة من الشاهدين لفظا ، ومعنى ، وقد انعدمت الموافقة لفظا ، فالألف غير الألفين ، وهنا المكره مضار متعنت ، فإنما يعتبر في حقه المعنى دون اللفظ ، وقد قصد الإضرار به بإلزام الألف إياه بإقراره ، فيرد عليه قصده ، ولا يلزمه الألف بما أقر به ، ويلزمه ما زاد عليه ، ولو أقر بألف دينار لزمته ; لأن الدراهم ، والدنانير جنسان حقيقة ، فيكون هو طائعا في جميع ما أقر به من الجنس الآخر .

ولا يقال : الدراهم ، والدنانير جعلا كجنس ، واحد في الأحكام ; لأن هذا في الإنشاءات ، فأما في الإخبارات ، فهما جنسان كما في الدعوى ، والشهادة ، فإنه إذا ادعى الدراهم ، وشهد له الشهود بالدنانير لا تقبل ، والإقرار إخبار هنا ، فالدراهم ، والدنانير فيه جنسان ، وكذلك إن أقر له بنصف غير ما أكرهوه عليه من المكيل ، أو الموزون ، فهو طائع متى أقر به . .

التالي السابق


الخدمات العلمية