الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، ولو أكرهه على أن يطرح نفسه في النار بوعيد قتل ، فهو إن شاء الله في سعة من ذلك أما إن كان يرجو النجاة من النار ، فإنه يلقي نفسه على قصد النجاة ، وإن كان لا يرجو النجاة ، فكذلك الجواب ; لأن من الناس من يختار ألم النار على ألم السيف ، ومنهم من يختار ألم السيف ، وربما يكون في النار بعض الراحة له ، وإن كان يأتي على نفسه ، وقيل على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يسعه أن يلقي نفسه إذا كان لا يرجو النجاة فيه ; لأنه لو ألقى نفسه صار مقتولا بفعل نفسه ، ولو امتنع من ذلك صار مقتولا بفعل المكره ، وحيث يسعه الإلقاء ، فلوليه القود على المكره ، وهذا لا يشكل عند أبي حنيفة ومحمد ، وكذلك عند أبي يوسف في الصحيح من الجواب ; لأنه لما أبيح له الإقدام صار آلة للمكره ، وكذلك لو أكرهه على أن يطرح نفسه من ، فوق بيت إلا أن في هذا الموضع عند أبي حنيفة لا يجب القود كما لو ألقاه المكره بنفسه .

، وعندهما إذا كان [ ص: 68 ] ذلك مما يقتل غالبا فهو ، وإلقاء النفس في النار سواء ، وكذلك لو أكرهه على أن يطرح نفسه في ماء ، وهنا القود لا يجب على المكره عند أبي حنيفة كما لو ألقاه بنفسه ، وكذلك عندهما إذا كان يرجى النجاة منه ، وإن كان مما يقتل غالبا يجب القود على المكره ، واستدل بحديث زيد بن ، وهب قال استعمل عمر بن الخطاب رجلا على جيش ، فخرج نحو الجبل ، فانتهى إلى نهر ليس عليه جسر في يوم بارد ، فقال أمير ذلك الجيش لرجل انزل فابغ لنا مخاضة نجوز فيها ، فقال الرجل : إني أخاف إن دخلت الماء أن أموت قال ، فأكرهه ، فدخل الماء قال يا عمراه ، يا عمراه ثم لم يلبث أن هلك فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه ، وهو في سوق المدينة قال يا ليتكاه ، يا ليتكاه ، ، فبعث إلى أمير ذلك الجيش فنزعه ، وقال : لولا أن يكون سنة لأقدته منك ، ثم غرمه الدية ، وقال : لا تعمل لي عملا أبدا قال ، وإنما أمره الأمير بهذا على غير إرادة قتله بل ليدخل الماء ، فينظر لهم مخاضة الماء ، فضمنه عمر رضي الله عنه ديته ، فكيف بمن أمره ، وهو يريد قتله بذلك ، وفيه دليل على أنه يجب القود على المكره ، وأنه يجب بغير السلاح ، ومعنى قوله أن يكون سنة يعني في حق من لا يقصد القتل ، ويكون مخطئا في ذلك ، فهو تنصيص على أنه إذا كان قاصدا إلى قتله بما لا يلجئه ، فإنه يستوجب القود وأبو حنيفة يقول : إنما قال عمر رضي الله عنه ذلك على سبيل التهديد ، وقد يهدد الإمام بما لا يتحقق ، ويتحرز فيه عن الكذب ببعض معاريض الكلام . .

التالي السابق


الخدمات العلمية