الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5243 5563 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن فراس، عن عامر، عن البراء قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، فلا يذبح حتى ينصرف". فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله، فعلت. فقال: "هو شيء عجلته". قال: فإن عندي جذعة هي خير من مسنتين، آذبحها؟ قال: "نعم، ثم لا تجزي عن أحد بعدك". قال عامر: هي خير نسيكته. [انظر: 951 - مسلم: 1961 - فتح: 10 \ 20]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساقه فيه وساق حديث أنس السالف.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر فقال: "من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح".

                                                                                                                                                                                                                              ولا شك أن سنة الذبح بعد الصلاة، وأجمع العلماء أن من ذبح قبل الصلاة فعليه الإعادة; لأنه ذبح قبل وقته.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 634 ] واختلفوا في من ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام، فذهب أبو حنيفة والثوري والليث إلى أنه يجوز ذلك، واحتجوا بحديث البراء - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر"، وبقول جندب بن سفيان المرفوع: "من ذبح قبل الصلاة فليعد". قالوا: فإذا حل للإمام الذبح بتمام الصلاة حل لغيره ولا معنى لانتظاره.

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك والأوزاعي والشافعي: لا يجوز لأحد قبل الإمام -أي: أو مقدار الصلاة والخطبة كما سلف- لحديث ابن جريج عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نحر فأمرهم أن يعيدوا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحسن في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [الحجرات: 1] إنها نزلت في قوم نحروا قبل أن ينحر النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              ودفع الطحاوي الحديث المذكور بأن قال: رواه حماد بن سلمة عن أبي الزبير، عن جابر أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يذبح أحد قبل الصلاة، ففي هذا الحديث أن النهي إنما قصد إلى الصلاة لا قبل ذبحه، ولا يجوز أن ينهاهم عن الذبح قبل أن يصلي وهو يريد إعلامهم إباحة الذبح لهم بعدما يصلي وإلا لم يكن لذكره الصلاة معنى، قالوا: ويشهد لهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث البراء: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر" فأخبر أن النسك يوم النحر إنما هو الصلاة ثم الذبح بعدها، فدل ذلك على أن ما يحل به الذبح هو الصلاة لا نحر الإمام الذي يكون بعدها، وأن حكم النحر قبل الصلاة خلاف حكمه بعدها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 635 ] وأما من طريق النظر فإنا رأينا الإمام لو لم ينحر أصلا لم يكن ذلك بمسقط عن الناس النحر ولا مانع لهم منه ولو أن إماما تشاغل يوم النحر بقتال عدو أو غيره فلم ينحر أن لغيره ممن أراد التضحية أن يضحي، فإن قال: ليس له أن يضحي خرج من قول جميع الأمة وإن قال: لهم أن يضحوا بعد زوال الشمس لذهاب وقت الصلاة، فدل أن ما حل به النحر ما كان وقت صلاة العيد إنما هو الصلاة لا نحر الإمام، ألا ترى أن الإمام لو نحر قبل أن يصلي لم يجزه ذلك، وكذلك سائر الناس فكان حكم الإمام والناس في الذبح قبل الصلاة سواء في أن لا يجزئهم فالنظر على ذلك أن يكون الإمام وسائر الناس أيضا سواء في الذبح بعد الصلاة أنه يجزئهم كلهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب: إنما كره الذبح قبل الإمام -والله أعلم- لئلا يشتغل الناس عن الصلاة ويحرمها المساكين مع المشتغلين بالذبح، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بإخراج العواتق وغيرهن لشهود بركة دعوة المسلمين.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في ذبح أهل البادية، فقال مالك: تحرى أقرب أئمة القرى إليهم فإن أخطأوا ونحروا قبله أجزأهم. وقال عطاء: يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس. وقال الشافعي: وقتها كما في حق أهل الحاضرة مقدار ركعتين وخطبتين كما سلف، وأما صلاة من بعده فليس فيها وقت، وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة وأصحابه: من ذبح من أهل السواد بعد طلوع الفجر أجزأه; لأنه ليس عليهم صلاة العيد، وهو قول الثوري وإسحاق .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 636 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله في حديث البراء - رضي الله عنه -: (خير من مسنة). قال الداودي: هي التي أسقطت أسنانها للبدل ونحوه. قال الجوهري: الثني يلقي ثنيته، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة، وفي الخف في السادسة ، ونحوه. قال ابن حبيب: في الغنم الثني ابن سنتين ودخل في الثالثة. وقال ابن فارس: إذا دخل ولد الشاة في السنة الثالثة فهو ثني .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في الثني من البقر فقيل ابن ثلاث مثل ما تقدم عن الجوهري، وقال ابن حبيب: هو ما له أربع، وقال ابن مزين: هو ما له سنتان.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم انكفأ إلى كبشين) -يعني: فذبحهما- ثم انكفأ الناس)، فيه حجة لمالك أن الذبح إنما يكون بعد ذبح الإمام.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فإن عندي جذعة هي خير من مسنتين)، و (قال عامر: هي خير نسيكته). قال ابن التين : ذكر ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج به الشيخ أبو الحسن على أن من ذبح قبل الصلاة لا يجوز له بيعها; لأنه سماه نسيكة، وهذا قد سلف عنه أيضا، وجاء: "خير نسيكتك" ووجهه وإن كانت الأولى شاة لحم; لأنه نوى بها النسك وإن لم تجز عنه، والثانية أجزأت فكانت خيرهما. وفي رواية الشافعي عن عبد الوهاب، قال داود: أظن أنها ماعز، وقال الشافعي: هي ماعزة وإنما يقال للضانية: رخل .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية