الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة : لما حكموا النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ عليهم الحكم ، ولم يكن لهم الرجوع ، وكل من حكم رجلا في الدين فأصله هذه الآية . قال مالك : إذا حكم رجل رجلا فحكمه ماض ، وإن رفع إلى قاض أمضاه إلا أن يكون جورا بينا . [ ص: 125 ]

                                                                                                                                                                                                              وقال سحنون : يمضيه إن رآه . قال ابن العربي : وذلك في الأموال والحقوق التي تختص بالطالب ، فأما الحدود فلا يحكم فيها إلا السلطان .

                                                                                                                                                                                                              والضابط أن كل حق اختص به الخصمان جاز التحكيم فيه ونفذ تحكيم المحكم به . وقال الشافعي : التحكيم جائز ، وهو غير لازم ; وإنما هو فتوى قال : لأنه لا يقدم آحاد الناس الولاة والحكام ، ولا يأخذ آحاد الناس الولاية من أيديهم ، وسنعقد في تعليم التحكيم مقالا يشفي إن شاء الله تعالى ، إشارته إلى أن كل محكم فإنه هو مفعل من حكم ، فإذا قال : حكمت ، فلا يخلو أن يقع لغوا أو مفيدا ، ولا بد أن يقع مفيدا ، فإذا أفاد فلا يخلو أن يفيد التكثير كقولك : كلمته وقللته ، أو يكون بمعنى جعلت له ، كقولك : ركبته وحسنته ، أي جعلت له مركوبا وحسنا ; وهذا يفيد جعلته حكما . وتحقيقه أن الحكم بين الناس إنما هو حقهم لا حق الحاكم ، بيد أن الاسترسال على التحكيم خرم لقاعدة الولاية ومؤد إلى تهارج الناس تهارج الحمر ، فلا بد من نصب فاصل ; فأمر الشرع بنصب الوالي ليحسم قاعدة الهرج ، وأذن في التحكيم تخفيفا عنه وعنهم في مشقة الترافع ، لتتم المصلحتان ، وتحصل الفائدتان . والشافعي ومن سواه لا يلحظون الشريعة بعين مالك رحمه الله ولا يلتفتون إلى المصالح ، ولا يعتبرون المقاصد ، وإنما يلحظون الظواهر وما يستنبطون منها ، وقد بينا ذلك في أصول الفقه والقبس في شرح موطأ مالك بن أنس .

                                                                                                                                                                                                              ولم أرو في التحكيم حديثا حضرني ذكره الآن إلا ما أخبرني به القاضي العراقي ، أخبرنا الجوني ، أخبرنا النيسابوري ، أخبرنا قليله ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يزيد يعني ابن المقدام بن شريح عن أبيه شريح ، عن أبيه { هانئ قال : لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم وهم يكنونه أبا الحكم ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 126 ] فقال : إن الله هو الحكم ، وإليه الحكم ، فلم تكنى أبا الحكم فقال : إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم ، فرضي كلا الفريقين . فقال : ما أحسن هذا فما لك من الولد ؟ قال : لي شريح ، وعبد الله ، ومسلم . قال : فمن أكبرهم ؟ قال : شريح . قال : فأنت أبو شريح ودعا له ولولده } .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية