الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو كان أكره صاحب المال على أن يهبه لصاحبه ، وأكره الآخر على أن يقبل الهبة منه ، ويقبضها بوعيد تلف ، فقبضها ، فضاعت عنده ، فإن قال القابض : أخذتها على أن تكون في يدي مثل الوديعة حتى أردها على صاحبها ، فالقول قوله مع يمينه ; لأن الإكراه شاهد له على أنه غير راغب في تمليكها ، فيكون الضمان على المكره خاصة ، وإن قال أخذتها على وجه الهبة لتسلم لي كان لرب المال أن يضمنه إن شاء ، وإن شاء المكره ; لأن الموهوب له قبض مال الغير على وجه التملك بغير رضا صاحبه ، وهو طائع في ذلك القبض على هذا القصد ، فيكون ضامنا للمال ، وأما المكره ، فلأن الدافع ملجأ من جهته ، فيجعل كأنه قبضه بنفسه ، ودفعه إليه ، فإن ضمن المكره - رجع على الموهوب له ; لأنه قائم مقام من ضمنه ; لأن المكره ما قصد مباشرة الهبة من جهته ، فلا يمكن تنفيذ الهبة من جهته بملكه إياه ، وفي الأصل أشار إلى حرف آخر ، فقال ; لأنه إنما ضمن المال بقبض الموهوب له ، وقد كانت الهبة قبل القبض ، فلا يجعل الذي أكرههما بمنزلة الواهب ، وما قلناه أوضح ; لأنا إذا جعلنا القابض مكرها ، وكان المكره ضامنا باعتبار نسبة القبض إليه لا يبقى في جانب القابض سبب موجب للضمان عليه ، والدليل عليه أنه قال : فإن ضمن الموهوب له لم يكن على الذي أكرهه شيء ; لأنه أخذه على أنه له .

ولو كان القبض منسوبا إلى المكره كان للقابض أن يرجع على المكره بما يلحقه من الضمان بسببه ، فإن كان الموهوب له بحيث يتمكن من الإشهاد عند الهبة أن يقبضه للرد ، فلم يفعل كان ضامنا بترك الإشهاد ; لأن القبض بحكم الهبة عمل منه لنفسه ، فلا يقبل قوله بخلاف ما صرح به إلا عند [ ص: 80 ] الضرورة ، وهو ما إذا لم يكن متمكنا من الإشهاد ; لأنا رأينا أن في موضع الضرورة يجعل القول قوله فيما في ضميره كالمكره على الكفر إذا قال بعد ما تكلم بالكفر كنت مطمئن القلب بالإيمان قبل قوله ، ولم تبن منه امرأته ، فأما عند تمكنه من الإشهاد بلا ضرورة ، فلا يقبل قوله بمنزلة من وجد عبدا آبقا لرجل في يد غيره ، فلم يقدر على استرداده منه إلا بشراء ، أو هبة فطلب ذلك منه حتى ، وهب له ، أو اشتراه كان ضامنا له إلا أن يشهد عند ذلك أنه يأخذه ليرده على مولاه ، فإذا أشهد لم يضمن ، وكذلك إن لم يكن متمكنا من الإشهاد يقبل قوله في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية