الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أكرهه بوعيد تلف على أن يأخذ مال رجل ، فيرمي به في مهلكة ، فأذن له صاحبه فيه ، ففعله ، فلا شيء على واحد منهما ; لأن صاحب الحق أسقط حقه بالإذن له في الإتلاف طوعا ، ولو كان أكره صاحب المال بوعيد تلف أيضا على أن أمره بذلك ، فإذنه مع الإكراه لغو ، والضمان على المكره ; لأن المكره آلة في ذلك الفعل ، والفعل صار منسوبا إلى المكره ، ولا ضمان على الفاعل إن علم أن صاحب المال مكره على الإذن ، أو لم يعلم ; لأنه بالإلجاء يصير كالآلة ، ولا يختلف ذلك باختلاف صاحب المال في الإذن طوعا ، أو كرها ، ولو كان الفاعل أكره على ذلك بحبس ، أو قيد لم يحل له أن يستهلك مالا ; لأن هذا من مظالم العباد ، فلا يرخص له في الإقدام عليه بدون الإلجاء ، وبالحبس ، والقيد لا يتحقق الإلجاء إلا أن يأمره به صاحبه بغير إكراه ، فحينئذ لا شيء [ ص: 93 ] عليه من إثم ، ولا ضمان ; لأن صاحب المال صار باذلا ماله بالإذن ، والمال مبتذل ، وإنما كان ممنوعا من إتلافه لمراعاة حق صاحب المال ، فإذا رضي به طوعا كان له الإقدام عليه ، والعبد ، والأمة فيما يأذن فيه مولاهما في جميع ما وصفنا بمنزلة الحر ، والحرة إلا في خصلة واحدة : أن القاتل لا يغرم نفس المملوك إذا أذن المولى في قتله بغير إكراه ; لأن الحق في بدل نفسه له باعتبار الحال ، والمآل ، فيعتبر إذنه في إسقاط الضمان كما يعتبر إذن صاحب اليد في إسقاطه حقه في بدله عن القاطع ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية