الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ومن شرط انصراف اللفظ إلى ما نواه احتمال اللفظ له كما تقدم فإن نوى ما لا يحتمله ) لفظه ( مثل أن يحلف لا يأكل خبزا يعني به لا يدخل بيتا لم تنصرف اليمين إلى المنوي ) لأنها نية مجردة لا يحتملها لفظه أشبه ما لو نوى ذلك بغير يمين ( فإن لم ينو شيئا لا ظاهر اللفظ ولا غيره رجع إلى سبب اليمين وماهيتها ) أي آثارها لدلالة ذلك على النية فأنيط الحكم به ( فلو حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه ) حقه .

                                                                                                                      ( قبله لم يحنث إذا قصد أن لا يجاوزه ) أي الغد ( أو كان السبب يقتضي التعجيل قبل خروج الغد ) لأن مقتضى اليمين تعجيل القضاء ولأن السبب يدل على النية ( فإن عدما ) أي النية وسبب اليمين ( لم يبرأ إلا بقضائه ) حقه ( في الغد ) فإن عجله قبله حنث كما لو أخره عنه لأنه ترك فعل ما تناوله يمينه لفظا ولم يصرفها عنه نية ولا سبب كما لو حلف ليصومن شعبان فصام رجب ( وكذا ) لو حلف ( لآكلن شيئا غدا أو لأبيعنه غدا أو لأشترينه ) غدا ( أو لأضربنه ) غدا ( ونحوه ) كلا كلمته غدا .

                                                                                                                      ( وإن قصد ) بحلفه ليقضينه حقه غدا ( مطله فقضاه قبله حنث ) لأن اليمين انعقدت على ما نواه وقد خالفه ( وإن حلف لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعة بها ) أي المائة ( أو ) باعه ( بأكثر ) من المائة ( لم يحنث ) لأنه لم يخالف ما حلف عليه .

                                                                                                                      ( و ) إن باعه ( بأقل ) من مائة ( يحنث ) لمخالفته ما حلف عليه ( و ) لو حلف ( لا يبيعه بمائة حنث ) إن باعه ( بها وبأقل ) منها لأن قرينة الحال تقتضي ذلك .

                                                                                                                      ( و ) لو حلف ( لا أشترينه بمائة فاشتراه بها أو بأكثر حنث ) لدلالة الحال على ذلك و ( لا ) يحنث إن اشتراه ( بأقل ) من مائة لأنه لم يخالف ما حلف عليه ( وإن حلف ) بائع ( لا ينقص هذا الثوب عن كذا فقال ) [ ص: 247 ] مشتريه ( قد أخذته ولكن هب لي كذا فقال ) الإمام ( أحمد : هذا حيلة قيل له ، فإن قال البائع أبيعك بكذا وأهب لفلان شيئا آخر قال ) أحمد ( هذا كله ليس بشيء وكرهه و ) لو حلف ( لا يدخل دارا ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره ) لعدم مخالفته لما حلف عليه .

                                                                                                                      ( ويقبل قوله في الحكم ) لأن ما نواه محتمل ( وإن كانت ) اليمين ( بطلاق أو عتاق لم يقبل ) قوله في الحكم ( لتعلق حق الآدمي ) لم يذكر هذا التفصيل في الإنصاف ولا الفروع ولا المبدع ولا المنتهى بل ظاهر كلامهم لا فرق وتقدم ونظيره في الطلاق في مواضع أنه يقبل قوله لعدم مخالفته للظاهر ( و ) لو حلف ( لا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا ) ولبسه ( حنث ) لقوله صلى الله عليه وسلم { لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها } ( وكذا ) يحنث ( إن انتفع بثمنه ) في غير اللبس لأنه نوع انتفاع به تلحق المنة به ( وإن انتفع ) الحالف ( بشيء من مالها سوى الغزل وثمنه ) مثل أن يسكن دارها أو أكل طعامها أو لبس ثوبا لها من غير غزلها ( لم يحنث ) لأن لكونه ثوبا من غزلها أثرا فيه داعية اليمين فلم يجز حذفه .

                                                                                                                      ( وإن امتنت ) امرأة ( عليه بثوب فحلف لا يلبسه قطعا لمنتها فاشتراه غيرها ثم كساه إياه أو اشتراه الحالف ولبسه على وجه لا منة لها فيه ) عليه ( فوجهان ) قلت مقتضى العمل بالنية أو السبب : لا حنث إذن لعدم المنة حيث لا حيلة .

                                                                                                                      ( و ) إن حلف ( لا يأوي معها في دار سماها يريدها ولم يكن للدار سبب يهيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث ) لأنه لما لم يكن للدار أثر في يمينه كان ذكرها كعدمه فكأنه حلف لا يأوي معها فإذا أوى معها حنث لمخالفته ما حلف على تركه ( فإن كان للدار أثر في يمينه لكراهته سكناها أو ) لكونه ( خوصم من أجلها ) أي الدار أو لكونه ( امتن عليه بها لم يحنث إذا أوى معها في غيرها ) لأنه لم يخالف ما حلف عليه ( وإن عدم السبب والنية لم يحنث إلا بفعل ما يتناوله لفظه وهو الإيواء معها في تلك الدار بعينها ) دون الإيواء معها في غيرها لأن لفظه لم يتناوله ولا صارف إليه .

                                                                                                                      ( والإيواء الدخول قليلا كان أو كثيرا ) يقال : آويت أنا وآويت فلانا قال تعالى { إذ أوى الفتية إلى الكهف } وقال { وآويناهما إلى ربوة } ونقل [ ص: 248 ] ابن هانئ : أقل الإيواء ساعة وجزم به في الترغيب ( وإن برها ) أي المحلوف عليها لا يأوي معها في دار سماها ( بصدقة أو غيرها أو اجتمع معها فيما ليس بدار ولا بيت لم يحنث سواء كان للدار سبب في يمينه أو لم يكن ) لأنه قصد جفاءها بهذا النوع .

                                                                                                                      ( و ) لو حلف ( لا عدت رأيتك تدخلينها ينوي منعها ) من الدخول ( حنث بدخولها ولو لم يرها ) تدخلها تقديما للنية .

                                                                                                                      وكذا لو اقتضاه السبب لما تقدم ( وإن حلف لا يدخل عليها بيتا فدخل عليها فيما ليس ببيت فكالتي قبلها ) فإن قصد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه حنث وإلا فلا قاله في المغني والشرح ( وإن دخل على جماعة هي فيهم يقصد الدخول عليها معهم أو لم يقصد شيئا حنث ) لأنه دخل عليها .

                                                                                                                      ( وإن استثناها بقلبه فكذلك ) أي يحنث لأنه دخل عليها بخلاف مسألة الكلام والسلام المتقدمة في مسائل متفرقة ( وإن كان ) دخله وهو ( لا يعلم أنها فيه ) أي البيت ( فدخل فوجدها فيه فكما لو دخل عليها ناسيا ) يحنث في طلاق وعتاق ، لا في يمين مكفرة ( وكذلك إن حلف لا يدخل عليها فدخلت عليه فخرج في الحال ) لم يحنث لأنه تارك ( فإن أقام ) معها ( حنث ) لأن استدامة الدخول دخول .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية