الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              937 [ 484 ] وعن كعب بن عجرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : معقبات لا يخيب قائلهن (أو فاعلهن) دبر كل صلاة مكتوبة ، ثلاث وثلاثون تسبيحة ، وثلاث وثلاثون تحميدة ، وأربع وثلاثون تكبيرة .

                                                                                              رواه مسلم (596) (145)، والترمذي (3409)، والنسائي (3 \ 75) .

                                                                                              [ ص: 213 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 213 ] وقول المهاجرين : ذهب أهل الدثور بالأجور . واحد الدثور : دثر ، وهو المال الكثير ، ومنه الحديث الآخر : وابعث راعيها في الدثر . وكذلك الدبر بكسر الدال ، وبالباء بواحدة . قال ابن السكيت : الدبر : المال الكثير . ووقع في السيرة في خبر النجاشي : " دبر من ذهب " ، بفتح الدال ، قال ابن هشام : ويقال : دبر . قال : وهو الجبل بلغة الحبشة . قال الهروي : يقال : مال دثر ، ومالان دثر ، وأموال دثر ، وحكى أبو عمر المطرز : إن الدثر بالثاء تثنى وتجمع .

                                                                                              وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . استدل به من يفضل الغنى على الفقر ، وهي مسألة اختلف الناس فيها على خمسة أقوال : فمن قائل بتفضيل الغنى ، ومن قائل بتفضيل الفقر ، ومن قائل بتفضيل الكفاف ، ومن قائل رابع : يرد هذا التفضيل إلى اعتبار أحوال الناس في ذلك ، ومن قائل خامس : توقف ، ولم [ ص: 214 ] يفضل واحدا منهما على الآخر . والمسألة لها غور ، وفيها أحاديث متعارضة ، ولعلنا نتكلم عليها تفصيلا إن شاء الله تعالى . وقد كتب الناس فيها كتبا كثيرة ، وأجزاء عديدة . والذي يظهر لي في الحال : أن الأفضل من ذلك ما اختاره الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ولجمهور صحابته رضوان الله تعالى عليهم ، وهو الفقر غير المدقع . ويكفيك من هذا : أن فقراء المسلمين - كما روي : يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام ، وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار يسألون عن فضول أموالهم . وعلى هذا يتعين تأويل قوله تعالى : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم [ المائدة :54 ] وقد تأوله بعضهم بأن قال : إن الإشارة في قوله : " ذلك " راجعة إلى الثواب المترتب على الأعمال ، الذي به يحصل التفضيل عند الله ، فكأنه قال : ذلك الثواب الذي أخبرتكم به ، لا يستحقه الإنسان بحسب الأذكار ، ولا بحسب إعطاء الأموال ، وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله تعالى أعلم . ولم يذكر في هذه الرواية تمام المائة ، وذكره في الرواية الأخرى وعين : أنه التهليل ، وفي رواية : أن زيادة تكبيرة كملت المائة . وهذا يدل على عدم تعين ما تكمل به المائة ، بل أي شيء قال من ذلك حصل له ذلك الثواب ، والله تعالى [ ص: 215 ] أعلم .

                                                                                              وقد اتفق مساق هذه الأحاديث والتي قبلها : على أن أدبار الصلوات أوقات فاضلة للدعاء والأذكار ، فيرتجى فيها القبول ، ويبلغ ببركة التفرغ لذلك إلى كل مأمول ، وتسمى هذه الأذكار : معقبات ; لأنها تقال عقيب الصلوات ، كما قال في حديث أبي هريرة : " دبر كل صلاة " ; أي : آخرها . ويقال : دبر بضم الدال ، وحكى أبو عمر المطرز في " اليواقيت " : دبر كل شيء بفتح الدال : آخر أوقات الشيء : الصلاة وغيرها . قال : وهذا هو المعروف في اللغة ، قال : وأما الجارحة : فبالضم . وقال الداودي عن ابن الأعرابي : دبر الشيء ، ودبره ، بالوجهين : آخر أوقات الشيء ، والدبار جمعه ، ودابر كل شيء : آخره أيضا . وأما اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستعاذة مما استعاذ في الدعاء بما دعا - وإن كان قد أمن قبل الاستعاذة ، وأعطي قبل السؤال - فوفاء بحق العبودية ، وقيام بوظيفة الشكر وبحق العبادة ، كما قال : أفلا أكون عبدا شكورا .




                                                                                              الخدمات العلمية