الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          845 - مسألة : وجائز في - رمي الجمرة ، والحلق ، والنحر ، والذبح ، وطواف الإفاضة ، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ، أن تقدم أيها شئت على أيها شئت لا حرج في شيء من ذلك - : روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا محمد بن عبد الله بن قهزاد نا علي بن الحسن عن عبد الله بن المبارك أنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال : يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ، ولا حرج ، وأتاه آخر فقال : إني ذبحت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج ، وأتاه آخر وقال : إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج قال فما رأيته يسأل يومئذ عن شيء إلا قال : افعلوا ولا حرج } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بمنى في حجة الوداع فجاء رجل فقال : يا رسول الله إني لم أشعر فحلقت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج ، وجاء آخر فقال : يا رسول الله إني لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج - قال : فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء يومئذ قدم أو أخر إلا قال : اصنع ولا حرج } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن الجهم عن إسماعيل بن إسحاق أنا أبو المصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : { وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى فجاء رجل فقال : يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ؟ قال : اذبح ولا حرج ، فقال آخر : يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج ، فما سئل عن شيء قدم ، ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم حدثني محمد بن حاتم نا بهز بن أسد نا وهيب هو ابن خالد - نا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح ، والحلق والرمي ، والتقديم ، والتأخير ؟ فقال : لا حرج } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 192 ] ومن طريق أبي داود نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن الشيباني هو أبو إسحاق - عن زياد بن علاقة عن { أسامة بن شريك قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئا أو قدمت شيئا فكان يقول : لا حرج لا حرج } ، ذكر باقي الحديث .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فأخذ بهذا جمهور من السلف كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان نا أيوب هو السختياني - عن نافع عن ابن عمر أنه رأى رجلا من أهله أفاض قبل أن يحلق فأمره أن يحلق .

                                                                                                                                                                                          وروينا عنه غير هذا من طريق سعيد أيضا - : نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد عن نافع : أن ابن عمر لقي ابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر قد أفاض قبل أن يحلق أو يقصر فأمره أن يقصر ، ثم يرجع فيفيض .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن الجهم نا عبد الله بن الحسن الهاشمي نا روح نا سعيد عن قتادة عن مورق العجلي قلت لابن عمر : رجل حلق قبل أن يذبح ؟ قال : خالف السنة ، قلت : ماذا عليه ؟ قال : إنك لضخم اللحية ، ولم يجعل عليه شيئا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن الجهم نا إبراهيم بن حماد نا الصاغاني نا سعيد بن عامر عن سعيد بن أبي عروبة عن مقاتل : أنهم سألوا أنس بن مالك عن قوم حلقوا قبل أن يذبحوا ؟ قال : أخطأتم السنة ولا شيء عليكم .

                                                                                                                                                                                          قال علي : ما أخطئوا السنة ولا خالفوها ; لأن ما أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ير فيه حرجا فهو سنة لكن تركوا الأفضل فقط .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحذافي نا عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء فيمن رمى الجمرة الوسطى قبل الأولى قال : يرمي التي ترك ( وأجزأه ) .

                                                                                                                                                                                          وبه نصا إلى سفيان ، قال : أخبرني ابن جريج عن عطاء أنه قال : من بدأ بالصفا والمروة قبل البيت ؟ أنه يطوف بالبيت ، وقد أجزأ عنه - وبه يقول سفيان .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد أنه أتى الحسن البصري بمكة ثاني يوم النحر [ ص: 193 ] قد بدأ يرمي جمرة العقبة ، ثم الوسطى ، ثم الأخرى قال : فسألت فقهاء مكة عن ذلك فلم ينكروه ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة نا الفضيل بن عياض عن ليث بن أبي سليم عن صدقة قال : سألت طاوسا ، ومجاهدا عمن حلق قبل أن ينحر ؟ قالا : لا شيء عليه - وهو قول سفيان ، والأوزاعي ، وداود ، وأصحابه .

                                                                                                                                                                                          وقد روي عن بعض السلف غير هذا - : روينا من طريق ابن أبي شيبة نا سلام بن مطيع وهو أبو الأحوص - عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس قال : من قدم شيئا من حجه أو أخره فليهرق لذلك دما .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير قال : من قدم شيئا قبل شيء من حجه أو حلق قبل أن يذبح فعليه دم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : من حلق قبل أن يذبح أهرق دما ، وقرأ { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا فضيل بن عياض عن ليث عن صدقة عن جابر بن زيد قال : من حلق قبل أن ينحر فعليه الفدية .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما الرواية عن ابن عباس فواهية ; لأنها عن إبراهيم بن مهاجر ، وهو ضعيف - وأما قول إبراهيم ، وجابر بن زيد في أن من حلق قبل الذبح والنحر : فعليه دم أو الفدية ، واحتجاجهم بقول الله - تعالى - : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } فغفلة ممن احتج بهذا ; لأن محل الهدي هو يوم النحر بمنى ذبح أو نحر ، أو لم يذبح ولا نحر إذا دخل يوم النحر والهدي بمنى أو بمكة فقد بلغ محله فحل الحلق ، ولم يقل - تعالى - : حتى تنحروا أو تذبحوا ، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ذلك مباح ولا حجة في قول أحد سواه عليه السلام .

                                                                                                                                                                                          وأما المتأخرون عمن ذكرنا - : فإن أبا حنيفة قال : من حلق قبل أن يرمي فلا شيء عليه ، فإن حلق قبل أن ينحر أو يذبح فإن كان مفردا فعليه دم ، وإن كان قارنا فعليه دمان .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 194 ] وقال زفر صاحبه : إن حلق القارن قبل أن يذبح أو ينحر فعليه ثلاثة دماء ; فإن كان متمتعا فعليه دم واحد ; فإن كان مفردا فلا شيء عليه .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو يوسف : إن حلق قبل أن يذبح قارنا أو متمتعا فعليه دم واحد ، فإن كان مفردا فلا شيء عليه ، ثم رجع فقال هو ، ومحمد بن الحسن : لا شيء عليه في كل ذلك .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إن حلق قبل أن يذبح أو ينحر فلا شيء عليه ، فإن حلق قبل أن يرمي فعليه دم .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : لا شيء عليه فيما أخر أو قدم إلا من طاف بين الصفا والمروة قبل الطواف بالبيت فعليه دم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : كل هذه أقوال في غاية الفساد ; لأنها كلها دعاوى بلا دليل لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ، ولا من رأي سديد فأما تفريق - أبي حنيفة بين حكم المفرد والقارن ، وإيجاب زفر ثلاثة دماء على القارن ، ودما على المتمتع ، وتفريق مالك بين تقديم الحلق على الرمي ، وتقديمه على النحر ، والذبح ، وتفريق الشافعي بين تقديم السعي على الطواف ، وبين سائر ما قدم وأخر - : فأقوال لا تحفظ عن أحد من أهل العلم قبل القائل بها ممن ذكرنا - وبالله - تعالى - التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية