الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اختلفوا في المراد بحاضري المسجد الحرام ، فقال مالك : هم أهل مكة وأهل ذي [ ص: 136 ] طوى قال : فلو أن أهل منى أحرموا بالعمرة من حيث يجوز لهم ، ثم أقاموا بمكة حتى حجوا كانوا متمتعين ، وسئل مالك رحمه الله عن أهل الحرم أيجب عليهم ما يجب على المتمتع ؟ قال : نعم ، وليس هم مثل أهل مكة ، فقيل له : فأهل منى ؟ فقال : لا أرى ذلك إلا لأهل مكة خاصة ، وقال طاوس : حاضرو المسجد الحرام هم أهل الحرم ، وقال الشافعي رضي الله عنه : هم الذين يكونون على أقل من مسافة القصر من مكة ، فإن كانوا على مسافة القصر ، فليسوا من الحاضرين ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : حاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت ، وهي ذو الحليفة والجحفة وقرن ويلملم وذات العرق ، فكل من كان من أهل موضع من هذه المواضع ، أو من أهل ما وراءها إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام ، هذا هو تفصيل مذاهب الناس .

                                                                                                                                                                                                                                            ولفظ الآية موافق لمذهب مالك رحمه الله ؛ لأن أهل مكة هم الذين يشاهدون المسجد الحرام ويحضرونه ، فلفظ الآية لا يدل إلا عليهم ، إلا أن الشافعي قال : كثيرا ما ذكر الله المسجد الحرام ، والمراد منه الحرم ، قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) [الإسراء : 1] ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أسري به من الحرم لا من المسجد الحرام ، وقال : ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) [الحج : 33] والمراد الحرم ؛ لأن الدماء لا تراق في البيت والمسجد .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا ثبت هذا فنقول : المراد من المسجد الحرام ههنا ما ذكرناه ، ويدل عليه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : الحاضر ضد المسافر ، وكل من لم يكن مسافرا كان حاضرا ، ولما كان حكم السفر إنما ثبت في مسافة القصر ، فكل من كان دون مسافة القصر لم يكن مسافرا وكان حاضرا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن العرب تسمي أهل القرى حاضرة وحاضرين ، وأهل البر : بادية وبادين ، ومشهور كلام الناس : أهل البدو والحضر يراد بهما أهل الوبر والمدر .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال الفراء : اللام في قوله : ( لمن ) بمعنى على ، أي ذلك الفرض الذي هو الدم ، أو الصوم لازم على من لم يكن من أهل مكة ، كقوله عليه الصلاة والسلام : " واشترطي لهم الولاء " أي عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : الله تعالى ذكر حضور الأهل ، والمراد حضور المحرم لا حضور الأهل ؛ لأن الغالب على الرجل أنه يسكن حيث أهله ساكنون .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : المسجد الحرام إنما وصف بهذا الوصف لأن أصل الحرام والمحروم الممنوع عن المكاسب ، والشيء المنهي عنه حرام ؛ لأنه منع من إتيانه ، والمسجد الحرام الممنوع من أن يفعل فيه ما منع عن فعله ، قال الفراء : ويقال حرام وحرم مثل زمان وزمن .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( واتقوا الله ) قال ابن عباس : يريد فيما فرض عليكم : ( واعلموا أن الله شديد العقاب ) لمن تهاون بحدوده . قال أبو مسلم : العقاب والمعاقبة سيان ، وهو مجازاة المسيء على إساءته ، وهو مشتق من العاقبة ؛ كأنه يراد عاقبة فعل المسيء ، كقول القائل : لتذوقن عاقبة فعلك .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية