الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( أو ليأكلن ذا الطعام ) أو ليقضين حقه أو ليسافرن ( غدا فمات قبله ) أي الغد لا بقتله نفسه ( فلا شيء عليه ) لأنه لم يبلغ زمن البر والحنث ( وإن مات ) أو نسي ( أو تلف الطعام ) أو بعضه ( في الغد بعد تمكنه ) من قضائه أو السفر أو ( من أكله ) بأن أمكنه إساغته ولو مع شبعه حيث لا ضرر عليه فيه كما علم مما مر في مبحث الإكراه ، وما اقتضاه إطلاق بعضهم من كون الشبع عذرا محمول على ما تقرر ( حنث ) لأنه فوت البر باختياره [ ص: 206 ] حينئذ ، ومن ثم كان قتله لنفسه قبل الغد مقتضيا لحنثه لأنه مفوت لذلك أيضا ، وكذا لو تلف الطعام قبله بتقصيره كأن أمكنه دفع أكله فلم يدفعه ( و ) في موته أو نسيانه ( قبله ) أي التمكن من ذلك ( قولان كمكره ) والأظهر عدمه لعذره وحيث أطلقوا قول المكره فمرادهم الإكراه على الحنث فقط ، أما إذا أكره على الحلف فلا حنث عليه اتفاقا ( وإن أتلفه ) عامدا عالما مختارا ( بأكل وغيره ) كأدائه الدين في الصورة التي قدمناها ولم ينو أنه لا يؤخر أداءه عن الغد ( قبل الغد ) أو بعده وقبل تمكنه منه ( حنث ) لتفويته البر باختياره ، ومر أن تقصيره في تلفه كإتلافه له ، ثم الأصح أنه إنما يحنث بعد مجيء الغد ومضي زمن يمكنه فيه ذلك المحلوف عليه فلو مات قبل ذلك لم يحنث ( وإن تلف ) الطعام بنفسه ( أو أتلفه أجنبي ) قبل الغد أو التمكن ولم يقصر فيهما كما مر ( فكمكره ) فلا يحنث إذ لا يفوت البر باختياره ، وما تقرر من إلحاق مسألة لأقضين حقه أو لأسافرن بمسألة الطعام فيما ذكر فيها هو القياس ، كما لو حلف بالطلاق الثلاث ليسافرن في هذا الشهر ثم خالع بعد تمكنه من الفعل فإنه يقع عليه الثلاث قبل الخلع ويتبين بطلانه لتفويته البر باختياره كما مر مبسوطا في كتاب الطلاق .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو ليأكلن ذا الطعام ) أي وإن كان أكله محرما عليه ( قوله : بعد تمكنه ) قال حج : لم يبينوا للتمكن هنا ضابطا ، ثم ذكر بعد كلام قرره ما نصه : وواضح أنه حيث خشي من فعل المحلوف عليه مبيح تيمم لم يكن متمكنا منه .

                                                                                                                            فإن لم يخش ذلك فالذي يتجه أنه لا يكفي توهم وجود المحلوف عليه ، بخلاف الماء ، لأن له بدلا ، بل لا بد من ظن وجوده بلا مانع مما مر في التيمم وأن المشي والركوب هنا كالحج وأن الوكيل إن لم يفعل بنفسه كما مر في الرد بالعيب فيعد متمكنا إذا قدر عليه ولو بأجرة مثل طلبها الوكيل فاضلة عما يعتبر في الحج ، وأن قائد الأعمى ونحو محرم المرأة والأمرد كما في الحج فيجب ولو بأجرة ، وأن أعذار الجمعة ونحو الرد بالعيب عذر هنا إلا نحو أكل كربه مما لا أثر له هنا بخلافه في نحو الشهادة على الشهادة كما يأتي ، ويؤخذ من هذا حكم مسألة وقع السؤال عنها وهي شخص حلف ليدخلن الحمام الفلاني غدا فلما أصبح الغد وجده مشغولا بالنساء وتعذر دخوله عليه في ذلك اليوم بأن لم يمكنه إخراجهن ولو لنحو مسلخة مثلا وهي الحنث حيث تمكن من دخوله قبل مجيئهن وتركه بلا عذر وعدمه إن لم يتمكن ، لكن لو جرت العادة في الحمام المحلوف عليه أن النساء لا تدخله في اليوم الذي عينه للدخول فأخر دخوله لظن إمكان دخوله في بقية النهار فاتفق أن النساء دخلنه في ذلك اليوم على خلاف العادة بعد مضي زمن كان يمكنه الدخول فيه لو أراده هل يكون ذلك عذرا أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأنه لا يعد مقصرا بتأخيره ( قوله : حيث لا ضرر عليه ) أي فإن أضره لم يحنث بترك الأكل ، [ ص: 206 ] لكن لو تعاطى ما حصل به الشبع المفرط في زمن يعلم عادة أنه لا ينهضم الطعام فيه قبل مجيء الغد هل يحنث لتفويته البر باختياره كما لو أتلفه أولا فيه نظر والأقرب الأول لما ذكر ، وينبغي أن يأتي مثل هذا التفصيل فيما لو حلف ليأكلن ذي الرمانة مثلا فوجدها عافنة تعافها الأنفس ويتولد الضرر من تناولها فلا حنث عليه ، ويكون كما لو أكره على عدم الأكل ، أما لو وجدها سليمة وتمكن من أكلها فتركها حتى عفنت فيحنث لتفويته البر باختياره .

                                                                                                                            وكتب أيضا لطف الله به : قوله حيث لا ضرر ، وينبغي أن المراد ضرر لا يحتمل في العادة وإن لم يبح التيمم كما يفهمه قوله كما علم إلخ ( قوله : لأنه مفوت لذلك ) هذا بمجرده لا يقتضي الحنث لما قدمه فيما لو مات قبل الغد من أنه لم يبلغ زمن البر والحنث وحيث لم يبلغها فالقياس أنه لا حنث وإن قتل نفسه فليراجع ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد أنه لم يبلغ زمن البر والحنث ولا فوت البر باختياره .

                                                                                                                            وكتب أيضا لطف الله به : قوله لأنه مفوت لذلك وليس منه فيما يظهر ما لو قتل عمدا عدوانا وقتل فيه ولو بتسليمه نفسه لجواز العفو عنه من الورثة ( قوله : كأدائه الدين ) الكاف فيه للتنظير لا للتمثيل لأن أداء الدين ليس إتلافا ولكنه تفويت للبر ( قوله : التي قدمناها ) أي من قوله أو ليقضينه حقه . [ فرع ]

                                                                                                                            وقع السؤال في الدرس عن رجل حنفي المذهب قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا ثم تزوجها بشاهدين حنفيين فهل العقد صحيح أم لا ؟ والجواب عنه بما صورته الحمد لله العقد صحيح ، ولا نظر لكون الشهود حنفية ولا لكون الزوج والعاقد له كذلك ، وله تقليد الشافعي في عدم الوقوع إلا أن يكون المنقول عندهم خلافه والاحتياط أن يرفع إلى حاكم شافعي والدعوى عنده ولو حسبة بوقوع الطلاق بمقتضى التعليق وطلب الفرقة بينهما فيحكم الشافعي بصحة العقد وعدم وقوع الطلاق ليرتفع الخلاف .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 206 ] قوله : فلو مات قبل ذلك لم يحنث ) قال ابن قاسم : أي الفرض أنه أتلفه عامدا عالما مختارا قبل الغد كما هو صريح العبارة ، وحينئذ فعدم الحنث هنا مشكل على قوله السابق ومن ثم ألحق قتله لنفسه إلخ إذ هو في كل منهما مفوت للبر باختياره فتأمله ا هـ وقد يفرق




                                                                                                                            الخدمات العلمية