الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( أو ) حلف ( لا رأى منكرا ) [ ص: 213 ] أو نحو لغط ( إلا رفعه إلى القاضي فرأى ) منكرا ( وتمكن ) من رفعه له ( فلم يرفعه ) أي لم يوصله بنفسه ولا غيره بلفظ أو كتابة أو رسالة خبره له في محل ولايته لا في غيره إذ لا فائدة له ( حتى مات ) الحالف ( حنث ) قبيل موته لتفويته البر باختياره ، والمتجه اعتبار كونه منكرا باعتقاد الحالف دون غيره ، وأن الرؤية من الأعمى محمولة على العلم ومن بصير على رؤية البصر ( ويحمل ) القاضي في لفظ الحالف حيث لا نية له ( على قاضي البلد ) أي بلد الحلف لا بلد الحالف فيما يظهر نظير ما مر في مسألة الرءوس ، ولو اتحد قاضيهما فرأى المنكر بأحدهما أو بغيرهما فالمتجه أنه لا بد من رفعه إليه لأن القصد من هذه اليمين التوصل إلى طريق إزالته ( فإن عزل فالبر في الرفع إلى ) القاضي ( الثاني ) لأن التعريف بأل يعمه ويمنع التخصيص بالموجود حالة الحلف ، فإن تعدد في البلد تخير وإن خص كل بجانب فلا يتعين قاضي شق فاعل المنكر خلافا لابن الرفعة ، إذ رفع فعل المنكر للقاضي منوط بإخباره به لا بوجوب إجابة فاعله ، ومعلوم أن إزالته ممكنة منه .

                                                                                                                            ولو رآه بحضرة القاضي فالمتجه أنه لا بد من إخباره به لأنه قد يتيقظ له بعد غفلته عنه ولو كان فاعل المنكر القاضي ، فإن كان ثم قاض آخر رفعه إليه وإلا لم نكلفه كما هو الظاهر بقوله رفعت إليك نفسك لأن هذا لا يراد عرفا من لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي ( أو إلا رفعه إلى قاض بر بكل قاض ) بكل بلد كان لصدق الاسم وإن حصلت له الولاية بعد الحلف ( أو إلى القاضي فلان فرآه ) أي الحالف المنكر ( ثم ) لم يرفعه إليه حتى ( عزل ، فإن نوى ما دام قاضيا حنث ) بعزله ( إن أمكنه رفعه ) إليه قبله ( فتركه ) لأنه فوت البر باختياره ، ولا ينافيه ما في الروضة من عدم حنثه لتمكنه من الرفع إليه بعد ولايته ثانيا لأنه عبر في الكتاب هنا بالديمومة وهي تنقطع بعزله ، ولم يعبر في الروضة بها فافترقا ، ولا يقال : إن الظرف في لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي فلان ما دام قاضيا ، إنما هو ظرف للرفع والديمومة موجودة في رفعه إليه حال القضاء ، لأن كلامهم في نحو لا أكلمه ما دام في البلد فخرج ثم عاد يقتضي أنه لا بد من بقاء الوصف المعلق [ ص: 214 ] بدوامه من الحلف إلى الحنث ، فمتى زال بينهما فلا حنث عملا بالمتبادر من عبارته .

                                                                                                                            ( وإلا ) بأن لم يتمكن من الرفع إليه لنحو حبس أو مرض أو تحجب القاضي ولم تمكنه مراسلة ولا كتابة ( فكمكره ) فلا يحنث ( وإن لم ينو ) ما دام قاضيا ( بر برفع إليه بعد عزله ) سواء أنوى عينه أم لم ينو شيئا لتعلق اليمين بعينه ، وذكر القضاء للتعريف فأشبه قوله لا أدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخلها فإنه يحنث تغليبا للعين ، مع أن كلا من الوصف والإضافة يطرأ ويزول ، وبذلك فارق ما مر في لا أكلم هذا العبد فكلمه بعد عتقه لأن الرق ليس من شأنه أن يطرأ ويزول ، ولو حلف لا يسافر بحرا شمل ذلك النهر العظيم كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، فقد صرح الجوهري في صحاحه بأنه يسمى بحرا ، قال : فإن حلف ليسافرن بر بقصير السفر ، والأقرب الاكتفاء بوصوله محلا يترخص منه المسافر ، وإنما قيدوا ذلك بما يتنفل فيه المسافر على الدابة لأن ذاك رخصة تجوزها الحاجة ولا حاجة فيما دون ذلك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو نحو لغط ) في محل لا يليق به اللغط كالمسجد ( قوله : باعتقاد الحالف ) وعليه فيبر برفعه إلى قاضي البلد ، وإن كان لا يراه منكرا ( قوله : نظير ما مر في مسألة الرءوس ) الذي مر أن المعتمد في مسألة الرءوس أنه لا يختص ببلد الحالف لكنه مر له أنه يشترط في الحالف أن يكون من أهل البلد التي تباع فيه مفردة وإن أكل في غيره فما هنا موافق لما مر له في مسألة الرءوس ( قوله : فإن تعدد ) أي القاضي وقوله تخير : أي وإن كان المحلوف عليه لا يقضي عليه من رفعه له في العادة بتعزير ولا نحوه لعظمة الفاعل الصورية . [ فائدة ]

                                                                                                                            وقع السؤال عن رجل تشاجر مع زوجته فهددته بالشكاية فقال لها إن اشتكيتني فأنت طالق فعينت عليه رسولين من قصاد الشرع فهل يقع عليه الطلاق أم لا ؟ والجواب .

                                                                                                                            عنه أن الظاهر الوقوع لأن الأيمان مبناها على العرف وأهل العرف يسمون ذلك شكاية فافهمه ولا تغتر بما نقل عن أهل العصر من عدم الطلاق معللا ذلك بما لا يجزي ( قوله : ما دام في البلد فخرج ) ظاهره وإن قل الخروج ولم يكن بقصد الذهاب إلى محل آخر [ ص: 214 ] قوله : أو تحجب القاضي ) أي أو أعلمه أنه لا يتمكن من الرفع إليه إلا بدراهم يغرمها له أو لمن يوصله إليه وإن قلت ( قوله : شمل ذلك النهر ) أي وإن انتفى عظمه في بعض الأحيان كبحر مصر وسافر في الحين الذي انتفى عظمه فيه كزمن الصيف ( قوله : بوصوله محلا يترخص منه المسافر ) أي مع كونه قصد محلا يعد قاصده مسافرا في العرف فلا يكفي مجرد خروجه من السور على نية أن يعود منه لأن الوصول إلى مثل هذا لا يسمى سفرا ومن ثم لا يتنفل فيه على الدابة ولا لغير القبلة ( قوله : ولا حاجة فيما دون ذلك ) أي بل المدار على ما يسمى سفرا ، ومجرد الخروج من السور بنحو ذراع مثلا على نية أن يعود منه لا يسمى سفرا فلا بد من قصد محل يعد به مسافرا وإن اتفق عوده بعد خروجه من السور قبل وصوله إلى المحل المذكور لوجود مسمى السفر .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : منكرا ) أي أو نحو [ ص: 213 ] لقطة ( قوله : قبيل موته ) هل وإن زال المنكر قبل ذلك أو يحنث هنا وقت زواله لوقوع اليأس من رفعه وهل الرفع صادق ولو بعد زواله يراجع ( قوله : باعتقاد الحالف ) ظاهره وإن لم يكن منكرا عند القاضي وفيه وقفة إذ لا فائدة في الرفع إليه أيضا ، ويبعد تنزيل اليمين على مثل ذلك ( قوله : أي بلد الحلف لا بلد الحالف ) في بعض النسخ عكس هذا وهو موافق لما في شرح الروض ( قوله : أو بغيرهما ) لعل المراد غيرهما .

                                                                                                                            مما هو في حكم قاضيهما وإلا ففيه نظر ( قوله إذا رفع فعل المنكر للقاضي إلخ ) انظره مع ما مر قبيل قول المصنف حتى مات ( قوله : ومعلوم أن إزالته ممكنة ) مراده به تقييد المسألة بأن القاضي قادر على الإزالة [ ص: 214 ] قوله : سواء أنوى عينه ) أي خاصة وإنما ذكر القضاء للتعريف .

                                                                                                                            وأصل ذلك قول الأذرعي هنا صورتان : إحداهما أن ينوي عين ذلك القاضي ويذكر القضاء تعريفا له فيبر بالرفع إليه بعد عزله قطعا والثانية أن يطلق ففي بره بالرفع إليه بعد عزله وجهان لتقابل النظر إلى التعيين والصفة ا هـ .

                                                                                                                            فالشارح أراد بما ذكره التعميم في الحكم بين الصورتين ( قوله : وإنما قيدوا ذلك بما يتنفل فيه إلخ ) عبارة التحفة : وإنما قيدوا نحو التنفل على الدابة بالميل أو عدم سماع النداء لأن ذلك رخصة إلخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية