الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وأكمله السلام عليكم ورحمة الله ) للاتباع ، ولا يسن وبركاته على المنصوص المنقول لكنها ثبتت من عدة طرق ومن ثم اختار كثير ندبها ( مرتين ) وإن تركه إمامه كما سيأتي للاتباع ، وأخبار التسليمة الواحدة ضعيفة أو محمولة على بيان الجواز وقد يحرم السلام الثاني عند عروض مناف عقب الأولى كحدث وخروج وقت جمعة وتخرق خف ونية إقامة وانكشاف عورة وسقوط نجاسة غير معفو عنها عليه ، وهي وإن لم تكن جزءا من الصلاة إلا أنها من توابعها ومكملاتها ، ومن ثم وقع لهما مرة أنها منها وأخرى أنها ليست منها ، وهو محمول على ما تقرر فلا تناقض ويسن عند إتيانه بهما أن يفصل بينهما كما اقتضاه كلام العبادي في طبقاته عن الشافعي رضي الله عنه وصرح به الغزالي في الإحياء ولو سلم الثانية على اعتقاده أنه أتى بالأولى وتبين خلافه لم تحسب ويسلم التسليمتين كما أفتى به [ ص: 538 ] الوالد رحمه الله تعالى تبعا للبغوي في فتاويه ، ويفارق ذلك حسبان جلوسه بنية الاستراحة عن الجلوس بين السجدتين بأن نية الصلاة لم تشمل التسليمة الثانية لأنها من لواحقها لا من نفسها ، ولهذا لو أحدث بينهما لم تبطل فصار كمن نسي سجدة من صلاته ثم سجد لتلاوة أو سهو فإنها لا تقوم مقام تلك السجدة ، بخلاف جلسة الاستراحة فإن نية الصلاة شاملة لها وأن تكون الأولى ( يمينا و ) الأخرى ( شمالا ) للاتباع ( ملتفتا ) في التسليمة ( الأولى حتى يرى خده الأيمن ) فقط لا خداه ( وفي ) التسليمة ( الثانية ) حتى يرى خده ( الأيسر ) كذلك ، ويسن أن يبتدئ به وهو مستقبل بوجهه .

                                                                                                                            أما بصدره فواجب ( ناويا السلام ) بمرة اليمين الأولى ( على من عن يمينه و ) بمرة اليسار على من عن ( يساره ) وبأيهما شاء على محاذيه ( من ملائكة ومؤمني إنس وجن ) سواء أكان مأموما أم إماما .

                                                                                                                            أما المنفرد فينوي بهما على الملائكة كما في الروضة وعلى مؤمني الإنس والجن ( وينوي الإمام ) زيادة على ما تقدم

                                                                                                                            [ ص: 539 ] ( السلام على المقتدين ) من عن يمينه بالأولى ، ومن عن يساره بالثانية ، وعلى من خلفه بأيهما شاء ( وهم الرد عليه ) وعلى من سلم عليهم من المأمومين فينويه من عن يمين الإمام بالثانية ومن عن يساره بالأولى ، فإن حاذاه فبالأولى أولى ، لأنه قد اختلف في الترجيح في الثانية هل هي من الصلاة أم لا كما مر ، واستشكل كون الذي عن يساره ينوي الرد عليه بالأولى لأن الرد إنما يكون بعد السلام ، والإمام إنما ينوي السلام على من على يساره بالثانية فكيف يرد عليه قبل أن يسلم وأجيب بأن هذا مبني على أن المأموم إنما يسلم الأولى مع فراغ الإمام من التسليمتين وهو الأصح في شرح المهذب والتحقيق .

                                                                                                                            والأصل في ذلك خبر البراء { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة } واستشكل أيضا قولهم ينوي السلام على المقتدين بأنه لا معنى للنية ، فإن الخطاب كاف في الصرف إليهم ، فأي معنى للنية والصريح لا يحتاج إليها كما لا يحتاج المسلم خارج الصلاة إذا سلم على قوم إلى نية في أداء السنة .

                                                                                                                            وأجيب عنه بأنه لما عارض ذلك تحلل الصلاة احتاج إلى نية بخلاف خارجها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله السلام عليكم ورحمة الله ) أي ويشترط أن يقصد بذلك الذكر ، أو الذكر والإعلام وإلا بطلت صلاته ا هـ سم على حج في فصل تبطل بالنطق إلى آخره الآتي ( قوله : ولا يسن وبركاته ) قال حج : إلا في الجنازة .

                                                                                                                            وقال سم عليه : كذا قيل ويؤخذ من قول المصنف في الجنائز كغيرها عدم زيادة وبركاته فيها أيضا ا هـ ( قوله : على المنصوص المنقول ) معتمد ( قوله : وإن تركه إمامه ) أي ما ذكر من فعل السلام مرتين بأن اقتصر على واحدة ( قوله : كما سيأتي ) أي في كلام المصنف قبيل الباب ( قوله : وقد يحرم السلام ) أي مع صحة الصلاة كما هو ظاهر جلي ( قوله عند عروض مناف ) أي للصلاة ومنه تحويل صدره عن القبلة بين التسليمتين على ما يفيده هذا الكلام ، وقوله قبل وصدره للقبلة إذ لم يعتبره في غير الأولى ( قوله : كحدث ) أقول : وجه الحرمة في هذه المسائل أنه صار إلى حالة لا تقبل هذه الصلاة المخصوصة فلا تقبل توابعها ا هـ سم على حج ( قوله : وانكشاف عورة ) أي انكشافا مبطلا للصلاة بأن طال الزمن مثلا ( قوله : أن يفصل بينهما ) أي بسكتة ( قوله ويسلم التسليمتين إلخ ) وينبغي أن يسجد للسهو ، لأن ما فعله [ ص: 538 ] يبطل عمده ، فإن قصد الثانية قبل الأولى يعد أجنبيا ، وعبارة حج بعد قول الشارح لم يحسب ما نصه : سلامه عن فرضه لأنه أتى به على اعتقاد النفل فليسجد للسهو ثم يسلم ا هـ ( قوله : يمينا وشمالا ) قال في شرح العباب : بخلاف ما لو سلمهما عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه فإنه يكون تاركا للسنة ، ولا يكره إلا على ما يأتي عن المجموع ا هـ ، وبقي ما لو سلم الأول عن اليسار فهل يسن حينئذ جعل الثاني عن اليمين ؟ ينبغي نعم ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول والأولى خلافه فيأتي بالثانية عن يساره أيضا لأنها هيئتها المشروعة لها ففعلها عن يمينه تغيير للسنة المطلوبة فيها كما لو قطعت سبابته اليمنى لا يشير بغيرها لأن له هيئة مطلوبة ، فالإشارة به تفوت ما طلب له من قبضها إن كانت من اليمين ، ونشرها على الفخذين إن كانت من اليسرى .

                                                                                                                            وقول سم : ولا يكره إلا على ما يأتي عن المجموع : أي في كلام حج بعد قول المصنف : وعندي لا يكره إلى آخره من قوله تنبيه : قد ينافي سلبه الكراهة ما نقل عن مجموعه أنه يكره ترك سنة من سنن الصلاة ، إلا أن يجمع بأنه أطلق الكراهة على خلاف الأولى ، أو مراده السنن المتأكدة لنحو جريان خلاف في وجوبها كما يأتي أواخر المبطلات بزيادة ا هـ وقول المجموع : يكره ترك سنة من سنن الصلاة مثله ما لو اقتصر على واحدة إمامه فإنه يجزئه والأولى جعلها عن يمينه ( قوله : أما بصدره فواجب ) وهذا علم من قوله قبل : وصدره للقبلة ( قوله ناويا السلام إلخ ) انظر هل يشترط مع نية السلام على من ذكر ، أو الرد نية سلام الصلاة حتى لو نوى مجرد السلام على من ذكر ، أو الرد رد للصارف : وقد قالوا : يشترط فقد الصارف أو لا يشترط فيكون هذا مستثنى من اشتراط فقد الصارف لوروده فيه نظر .

                                                                                                                            والقلب إلى الاشتراط أميل وهو الوجه إن شاء الله تعالى ، ثم قال في قولة أخرى بعد : وما تقدم من قولنا أنه ينبغي إذا قصد بالسلام السلام على من عن يمينه أو يساره أن يقصد مع ذلك سلام الصلاة وإلا كان مصروفا ، إلخ ذكرته لمر فمال إلى أنه لا يشترط ذلك : أي وهو المعتمد لأن هذا مأمور به ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            قوله وهو الوجه نقل مثله في حاشيته على حج واقتصر عليه ، والأقرب ما مال إليه م ر من عدم الاشتراط ، ويوجه بما قاله حج من أنه لو علم من عن يمينه بسلامه عليه لم يجب عليه الرد لأنه لكونه مشروعا للتحلل لم يصلح للأمان فكأنه لم يوجد سلام منه على غيره ، وحيث كان كذلك لم يصلح صارفا ( قوله : على من على يمينه ) أي ولو غير مصل ومع ذلك لا يجب على غير المصلي الرد عليه وإن علم أنه قصده [ ص: 539 ] بالسلام ، ثم رأيت حج قال ما نصه : ولو كان عن يمينه أو يساره غير مصل لم يلزمه الرد لانصرافه للتحلل دون التأمين المقصود من السلام الواجب رده ، ولأن المصلي غير متأهل للخطاب ، ومن ثم لو سلم عليه لم يلزمه الرد بل يسن : أي بعد فراغ الصلاة كما يأتي وقياسه ندبه هنا أيضا ا هـ : أي حيث غلب على ظنه ذلك كأن علمه من عادته بإخباره له سابقا .

                                                                                                                            لا يقال : يشكل على ذلك ما قالوه في الأيمان من أنه لو حلف لا يكلم زيدا فسلم عليه ولو من الصلاة حنث .

                                                                                                                            لأنا نقول : ذاك محله إذا قصده بخصوصه بخلاف ما هنا ، ولا يختص السلام بالحاضرين بل يعم كل من في جهة يمينه وإن بعدوا إلى آخر الدنيا ، وإن اقتضى قول البهجة ونية الحضار بالتسليم تخصيصه بهم .

                                                                                                                            [ فرع استطرادي ] وقع السؤال في الدرس عن شخصين تلاقيا مع شخص واحد فسلم أحدهما عليه فرد عليه ناويا به الرد على من سلم والابتداء على من يسلم ، فهل تكفي هذه الصيغة عنهما أو لا ، لأن فيها تشريكا بين فرض وهو الرد وسنة وهو الابتداء ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            أقول : والأقرب الاكتفاء بذلك ولا يضر التشريك المذكور أخذا من قولهم في المأمومين إذا تأخر سلام بعضهم عن بعض ، فكل ينوي بكل تسليمة السلام على من لم يسلم عليه والرد على من سلم ( قوله : وعلى من خلفه بأيهما شاء ) لا يأتي إذا توسطت تسليمتاه بين تسليمتي المسلم وقد سلم عليه المسلم بثانيته مثلا ا هـ سم على حج : أي فينوي حينئذ الرد لا السلام ( قوله : وهم الرد عليه ) وبقي رد منفرد على منفرد أو إمام ، ورد إمام أو منفرد أو مقتدين بغيره ونحو ذلك مما يتصور غير ما ذكره ، فحرره وانظر لم تركه وما حكمه وعبارة الإرشاد وشرحه لشيخنا : وسن للمصلي أن ينوي بسلامه إماما كان أو مأموما أو منفردا من حضر من ملائكة ومؤمني إنس وجن ابتداء في الثلاثة ، خلافا لما يوهمه كلام الإسعاد وردا بالنسبة للمأموم فينويه على الإمام بأي سلامه شاء إن كان خلفه ، وبالثانية إن كان عن يمينه ، وبالأولى إن كان عن يساره ، وللأمام إذا لم يفعل من عن يساره السنة بأن سلم قبل أن يسلم الإمام الثانية ولم يصبر إلى فراغه منها ، فيسن له أن ينوي الرد عليه بالثانية ، خلافا لما في أصله من اختصاص الرد بالمأموم ا هـ سم على منهج : أي وعبارة الإرشاد وشرحه تفيد أن كلا من الإمام والمنفرد والمأموم يسلمون على من حضر وإن لم يكن مصليا ، وأن المأموم والإمام يردان على من سلم عليهما من المصلين بخلاف المنفرد فلا يسن له الرد على غيره ( قوله : فإن حاذاه ) أي بأن كان خلفه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أما المنفرد ) لا وجه لقطعه عما قبله مع اتحاده معه في الحكم ، وهو تابع في هذا التعبير للشارح الجلال ، لكن ذاك لم يذكر قوله وعلى مؤمني الإنس ، والجن ( قوله : زيادة على ما تقدم ) فيه نظر ظاهر ، فإنه عينه باعتبار ما حله هو به ، والشارح الجلال لم يذكر قول الشارح هنا فيما مر : وبأيهما شاء [ ص: 539 ] على محاذيه ، واقتصر عند قول المصنف : وينوي الإمام السلام على المقتدين ، على قوله هذا يزيد على ما تقدم بالمقتدين خلفه انتهى .

                                                                                                                            وهو ظاهر بخلاف ما صنعه الشارح هنا ( قوله : ومن عن يساره بالأولى ) هذا ظاهر بالنسبة [ ص: 540 ] للرد على الإمام دون غيره فليتأمل




                                                                                                                            الخدمات العلمية