الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( تنبيه ) :

قال ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب في الذكاة ذكرا كان أو أنثى مسلما أو كتابيا ومن مثله يذبح وليس هذا من باب الرواية أو الشهادة بل القاعدة الشرعية أن كل أحد مؤتمن على ما يدعيه فإذا قال الكافر هذا مالي أو هذا العبد رقيق لي صدق في ذلك كله ، وكذلك إذا قال هذه ذكية فهو مؤتمن فيه كما لو ادعى أي سبب من الأسباب المقررة للملك من الإرث والاكتساب بالصناعة والزراعة وغير ذلك فهو مؤتمن إذ كل أحد مؤتمن على ما يدعيه مما هو تحت يده في أنه مباح له أو ملكه ؛ لأنه لا يروي لنا دينا ولا يشهد عندنا في إثبات حكم بل هذا من باب التأمين المطلق كما أن المسلم إذا قال هذا ملكي أو هذه أمتي لم نعده راويا لحكم شرعي ، وإلا لاشترطنا فيه العدالة ولا شاهدا بل نقبله منه .

وإن كان أفسق الناس فليس هذا من الفروع المترددة بين القاعدتين فتأمل ذلك فإن قلت ما قررته من أن الشهادة حقيقتها التعلق بجزئي ، والرواية حقيقتها التعلق بكلي لا يطرد ولا ينعكس أما الشهادة المجمع عليها من غير اجتماع شبه الرواية معها فقد تقع في الأمر الكلي العام الذي لا يختص بأحد كالشهادة بالوقف على الفقراء والمساكين إلى يوم القيامة والنسب المتفرع بين الأنساب إلى يوم القيامة ، وكون الأرض عنوة أو صلحا ينبني عليها أحكام الصلح أو أحكام العنوة من كونها طلقا إلى يوم القيامة أو وقفا إلى يوم القيامة كما قاله مالك إلى غير ذلك من النظائر كما اختصت الشهادة بجزئي ، وأما الرواية فقد بينا أنها في الأمور الجزئية في الإخبار عن النجاسة وأوقات الصلوات وغيرها مما تقدم بيانه .

وإذا وقع كل واحد منهما في الجزئي والكلي لم تكن نسبة أحدهما إلى الجزئي أو الكلي أولى من [ ص: 16 ] العكس فتفسد الضوابط ويعود اللبس والسؤال كما تقدم قلت أما ما ذكر من فروع الشهادة فالعموم فيها إنما جاء بطريق العرض والتبع ومقصودها الأول إنما هو جزئي أما الوقف فالمقصود بالشهادة فيه الواقف وإثبات ذلك عليه وهو شخص معين ينتزع منه مال معين فكان ذلك شهادة ثم اتفق أن الموقوف عليه فيه عموم وليس ذلك من لوازم الوقف فإن الوقف قد يكون على معين كما لو وقف على ولده أو زيد ثم من بعده لغيره فالعموم أمر عارض ليس متقررا شرعا في أصل هذا الحكم .

وأما النسب فالمقصود به إنما هو الإلحاق بالشخص المعين أو استحقاق الميراث للشخص المعين ثم تفرعه بعد ذلك ليس مقصود الشهادة إنما هو من الأحكام الشرعية التابعة للمقصود بالشهادة كما أن الشهادة إذا وقعت بأن هذا رقيق لزيد قبل فيه الشاهد واليمين وإن تبع ذلك لزوم القيمة لمن قتله دون الدية وسقوط العبادات عنه واستحقاق إكسابه للسيد مع أن الشاهد لم يقصد سقوط العبادات عنه ، وليس سقوط العبادات مما تدخل فيه الشهادات فضلا عن الشاهد واليمين ، وكذلك الشهادة بتزويج زيد المرأة المعينة شهادة بحكم جزئي على المرأة لزوجها المشهود له وهو جزئي ، وإن تبع ذلك تحريمها على غيره وإباحة وطئها له مع أن التحريم والإباحة شأنهما الرواية دون الشهادة وغير ذلك من النظائر فقد يثبت على سبيل التبع ما لا يثبت متأصلا فلا يضر ذلك في الضوابط المذكورة في الشهادة والرواية ، وأما كون الأرض عنوة أو صلحا فهذا لم أر لأصحابنا فيه نقلا فيما أظن .

وأمكن أن يقال فيه إنه يكفي فيه خبر الواحد ، وإنه من باب الرواية لعدم الاختصاص في المحكوم عليه ، وأمكن أن يقال إنه من باب الشهادة لخصوص المحكوم فيه وهو الأرض فإنها جزئية لا يتعداها الحكم إلى غيرها فقد اجتمع فيهما الشبهان ، وأمكن التردد وأما ما تقدم من النقوض على الرواية فقد تقدم تخريجها والجواب عنها .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال شهاب الدين ( تنبيه :

قال ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب إلى قوله فليس هذا من الفروع المترددة بين القاعدتين فتأمل ذلك ) قلت هذه المسألة وإن لم تكن من تينك القاعدتين فهي من جنس المسألتين قبلها ، وما ذكره في أثناء كلامه من أن كل واحد مؤتمن على ما يدعيه مما هو تحت يده إنما المعنى بأنه مؤتمن أو مصدق أنه لا يتعرض له برفع يده عنه ، وليس المعنى بذلك أنه محق عندنا في دعواه ، ومسألة القصاب مع ذلك ليست من هذه القاعدة بل هي من جنس المسألتين اللتين قبلها كما تقدم ذكره ؛ لأن المقصود من هذه المسألة ليس تركه وما يدعيه بالنسبة إلى ملك ما تحت يده ، بل المقصود منها هل يستباح أكلها بناء على خبره أم لا ، فلا أعلم لتجويز الاستباحة بناء على ذلك إلا إلجاء الضرورة إلى ذلك للزوم المشقة عن عدم التجويز مع ندور الخلو عن القرائن المحصلة للظن كما سبق والله أعلم .

قال شهاب الدين ( فإن قلت ما قررته من أن الشهادة حقيقتها التعلق بجزئي ، والرواية حقيقتها التعلق بكلي لا يطرد ولا ينعكس إلى قوله [ ص: 16 ] وأما ما تقدم من النقوض على الرواية فقد تقدم تخريجها والجواب عنها ) قلت جميع ما ذكره في هذا الفصل صحيح غير قوله في الخبر بالعنوة أو الصلح أن فيه شبه الرواية وشبه الشهادة ، فإن الظاهر أن فيه شبه الرواية دون شبه الشهادة ؛ لأنه من جنس الخبر عن وقوع سبب من أسباب الأحكام الشرعية كما تقدم ذكره والله أعلم .




الخدمات العلمية