الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 26 ] فصل في ذكر معنى المصحف والكتاب والقرآن والسور والآيات والكلمة والحرف

* أما معنى المصحف]: فهو مفعل، من أصحف; أي: جمع فيه الصحف، واحدتها صحيفة; كمدينة ومدن. وروي أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما أمر بجمع القرآن، وكتبوه، استشار الناس في اسمه، فسماه مصحفا، وذلك لمعنيين:

أحدهما: أن القرآن كان في صحف متفرقة، فلما جمعوه في موضع واحد، سموه مصحفا، أي: جمع فيه الصحف.

والآخر: أنه جمع فيه علم الصحف الأولى، وأنه يعدلها، وهي: التوراة والإنجيل والزبور.

ومعنى الصحيفة: القطعة من جلد أو رق، وجمعها صحف، فلما ضم بعضها إلى بعض، سمي مصحفا.

* وأما الكتاب: فهو ضم الحروف الدالة على معنى بعضها إلى بعض، لأنه مصدر كتب، ومعناه: جمع، ومنه قوله -عز وجل-: أولئك كتب في قلوبهم الإيمان [المجادلة: 22]; أي: جمع، حتى آمنوا بجميع ما يجب عليهم. [ ص: 27 ]

وقد سمى الله تعالى القرآن كتابا، فقال تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه [البقرة: 2].

* وأما القرآن: فهو اسم الكتاب الذي أنزله الله تعالى على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - خاصة، لم يسم به شيء غيره من الكتب; كما أن التوراة اسم الكتاب المنزل على موسى، والإنجيل اسم الكتاب المنزل على عيسى، والزبور اسم الكتاب المنزل على داود -صلوات الله عليهم أجمعين-.

وهو: منزل غير مخلوق بإجماع أهل السنة، واتفاق الأئمة، معجز، متعبد بتلاوته، مكتوب في مصاحفنا، محفوظ في صدورنا، مقروء بألسنتنا.

وإنما سمي قرآنا; لأنه: جمع السور وضمها، قال تعالى: إن علينا جمعه وقرآنه [القيامة: 17] أي: تأليفه، وضم بعضه إلى بعض فإذا قرأناه فاتبع قرآنه [القيامة: 18] أي: إذا ألفناه وضممناه، فخذه واعمل به.

وسمي أيضا: الفرقان; لأنه: فرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر، فرقا وفرقانا.

وسمي: الذكر; لأنه: ذكر الناس آخرتهم وإلههم، وما كانوا في غفلة عنه.

* وأما السورة من القرآن: فهي اسم لآي جمعت، وقرنت بعضها إلى بعض; حتى تمت، وكملت، وبلغت في الطول المقدار الذي أراد الله تعالى، ثم فصل بينها وبين سورة أخرى ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا تكون السورة إلا معروف المبتدأ معروف المنتهى.

* وأما الآية: ففيها خلاف، فقيل: [ ص: 28 ]

معنى الآية من القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه، وانقطاع معناه فصلا فصلا.

وقيل: معنى الآية: العلامة; كقوله: قال رب اجعل لي آية [مريم: 10] أي: علامة.

وإنما سميت الآية آية; لأنها: علامة تدل على نفسها بانفصالها عن الآية التي تقدمتها، أو تأخرت عنها، فكل آية كأنها علامة.

* وأما الكلمة: فهي الواحدة من جملة الكلام، وجمعها كلم، وتجمع أيضا على: كلمات، فالكلام: اسم جنس يقع على القليل والكثير من جنسه.

* وأما الحرف: فهو الواحد من حروف المعجم، سمي: حرفا; لقلته ودقته، ولذلك قيل: حرف الشيء لطرفه; لأنه آخره، والقليل منه، والحرف أيضا: القراءة بكمالها، والحرف أيضا: اللغة، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" أي: على سبع لغات للعرب متفرقة في القرآن مختلفة الألفاظ متفقة المعاني.

وقولهم لمكتسب الرجل وطعمته: الحرفة، كأنها الجهة التي انحرف إليها عما سواها.

والتحريف في الكلام: تغييره عن معناه، كأنه ميل به إلى غيره، وانحرف عنه، كما قال الله تعالى في صفة اليهود: يحرفون الكلم عن مواضعه [المائدة: 13]; أي: يغيرون معاني التوراة بالتمويهات، والله أعلم.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية