الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والأخبار والبشارة بنبوته صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة عرفت من عدة طرق :

( أحدها ) ما ذكرناه ، وهو قليل من كثير وغيض من فيض .

( الثاني ) إخباره صلى الله عليه وسلم لهم أنه مذكور عندهم ، وأنهم وعدوا به ، وأن الأنبياء بشرت به ، واحتجاجه عليهم بذلك ، ولو كان هذا الأمر لا وجود له ألبتة ، لكان مغريا لهم بتكذيبه منفرا لأتباعه محتجا على دعواه بما يشهد ببطلانها .

( الثالث ) أن هاتين الأمتين معترفون بأن الكتب القديمة بشرت بنبي عظيم الشأن ، يخرج في آخر الزمان ، نعته كيت وكيت ، وهذا مما اتفق عليه المسلمون واليهود والنصارى ، فأما المسلمون فلما جاءهم آمنوا به وصدقوه ، وعرفوا أنه الحق من ربهم . وأما اليهود فعلماؤهم عرفوه وتيقنوا أنه محمد بن عبد الله ، فمنهم من آمن به ومنهم من جحد نبوته ، وقال للأتباع : إنه لم يخرج بعد .

وأما النصارى فوضعوا بشارات التوراة والنبوات التي بعدها على المسيح ، ولا ريب أن بعضها صريح فيه ، وبعضها ممتنع حمله عليه ، وبعضها محتمل .

وأما بشارات المسيح فحملوها كلها على الحواريين ، وإذا جاءهم ما يستحيل انطباقه عليهم ، حرفوه أو سكتوا عنه ، وقالوا : لا ندري من المراد به .

( الرابع ) اعتراف من أسلم منهم بذلك ، وأنه صريح في كتبهم ، وعن المسلمين [ ص: 415 ] الصادقين منهم تلقى المسلمون هذه البشارات وتيقنوا صدقها بشهادة المسلمين منهم بها ، مع تباين أعصارها وأمصارها وكثرتهم واتفاقهم على لفظها ، وهذا يفيد القطع بصحتها ولو لم يقر بها أهل الكتاب ، فكيف وهم مقرون بها لا يجحدونها وإنما يغالطون في تأويلها والمراد بها ؟ ! وكل واحد من هذه الطرق الأربعة كاف في العلم بصحة هذه البشارات ، وقد قدمنا أن إقدامه صلى الله عليه وسلم على إخبار أصحابه وأعدائه بأنه مذكور في كتبهم بنعته وصفته ، وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناهم ، وتكراره ذلك عليهم مرة بعد مرة في كل مجمع وتعريفهم بذلك ، وتوبيخهم والنداء عليهم ، من أقوى الأدلة القطعية على وجوده من وجهين :

أحدهما : قيام الدليل القطعي على صدقه .

الثاني : دعوته لهم بذلك إلى تصديقه ، ولو لم يكن له وجود لكان ذلك من أعظم دواعي تكذيبه والتنفير عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية