الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر رفع المسيح إلى السماء ونزوله إلى أمه وعوده إلى السماء

قيل : إن عيسى استقبله ناس من اليهود ، فلما رأوه قالوا : قد جاء الساحر ابن الساحرة الفاعل ابن الفاعلة ! وقذفوه وأمه ، فسمع ذلك ودعا عليهم ، فاستجاب الله دعاءه ومسخهم خنازير ، فلما رأى ذلك رأس بني إسرائيل فزع وخاف وجمع كلمة اليهود على قتله ، فاجتمعوا عليه ، فسألوه ، فقال : يا معشر اليهود ، إن الله يبغضكم ، فغضبوا من مقالته ، وثاروا إليه ليقتلوه ، فبعث إليه جبرائيل فأدخله في خوخة إلى بيت فيها روزنة في سقفها فرفعه إلى السماء من تلك الروزنة ، فأمر رأس اليهود رجلا من أصحابه اسمه " قطيبانوس " أن يدخل إليه فيقتله . فدخل فلم ير أحدا ، وألقى الله عليه شبح المسيح ، فخرج إليهم فظنوه عيسى ، فقتلوه ، وصلبوه .

وقيل : إن عيسى قال لأصحابه : أيكم يريد أن يلقى عليه شبهي وهو مقتول ؟ فقال رجل منهم : أنا يا روح الله . فألقي عليه شبهه ، فقتل وصلب .

وقيل : إن الذي شبه بعيسى وصلب رجل إسرائيلي اسمه يوشع أيضا .

وقيل : لما أعلم الله المسيح أنه خارج من الدنيا جزع من الموت فدعا الحواريين فصنع لهم طعاما فقال : احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة . فلما اجتمعوا عشاهم ، وقام يخدمهم . فلما فرغوا أخذ يغسل أيديهم بيده ويمسحها بثيابه ، فتعاظموا ذلك وكرهوا . فقال : من يرد علي الليلة شيئا مما أصنع فليس مني ، فأقروه حتى فرغ من ذلك ، ثم قال : أما ما خدمتكم على الطعام وغسلت بيدي فليكن لكم بي أسوة فلا يتعاظم بعضكم على بعض ، وأما حاجتي التي أستغيثكم عليها فتدعون الله [ ص: 284 ] لي وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي . فلما نصبوا أنفسهم للدعاء أخذهم النوم حتى ما يستطيعون الدعاء ، فجعل يوقظهم ويقول : سبحان الله ما تصبرون لي ليلة ! قالوا : والله ما ندري ما لنا ، لقد كنا نسمر فنكثر السمر ، وما نقدر عليه الليلة ، وكلما أردنا الدعاء حيل بيننا وبينه . فقال : يذهب بالراعي ويتفرق الغنم ، وجعل ينعى نفسه ، ثم قال : ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات ، وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني .

فخرجوا وتفرقوا ، وكانت اليهود تطلبه ، فأخذوا شمعون ، أحد الحواريين ، وقالوا : هذا صاحبه .

واختلف العلماء في موته قبل رفعه إلى السماء ، فقيل : رفع ولم يمت ، وقيل : توفاه الله ثلاث ساعات وقيل سبع ساعات ، ثم أحياه ورفعه ، ولما رفع إلى السماء قال الله له : انزل ، فلما قالوا لشمعون عن المسيح جحد ، وقال : ما أنا بصاحبه ! فتركوه . فعلوا ذلك ثلاثا . فلما سمع صياح الديك بكى وأحزنه ذلك .

وأتى أحد الحواريين إلى اليهود فدلهم على المسيح ، وأعطوه ثلاثين درهما ، فأتى معهم إلى البيت الذي فيه المسيح ، فدخله ، فرفع الله المسيح ، وألقى شبهه على الذي دلهم عليه ، فأخذوه ، وأوثقوه ، وقادوه ، وهم يقولون له : أنت كنت تحيي الموتى ، وتفعل كذا وكذا فهلا تنجي نفسك ؟ وهو يقول : أنا الذي أدلكم عليه ، فلم يصغوا إلى قوله ، ووصلوا به إلى الخشبة وصلبوه عليها .

وقيل : إن اليهود لما دلهم عليه الحواري اتبعوه ، وأخذوه من البيت الذي كان فيه ليصلبوه ، فأظلمت الأرض ، وأرسل الله ملائكة فحالوا بينهم وبينه ، وألقى شبه المسيح على الذي دلهم عليه ، فأخذوه ليصلبوه ، فقال : أنا الذي دلكم عليه ، فلم يلتفتوا إليه فقتلوه وصلبوه عليها . ورفع الله المسيح إليه بعد أن توفاه ثلاث ساعات ، [ ص: 285 ] وقيل : سبع ساعات ، ثم أحياه ورفعه ، ثم قال له : انزل إلى مريم فإنه لم يبك عليك أحد بكاءها ولم يحزن أحد حزنها . فنزل عليها بعد سبعة أيام ، فاشتعل الجبل حين هبط نورا ، وهي عند المصلوب تبكي ومعها امرأة كان أبرأها من الجنون ، فقال : ما شأنكما تبكيان ؟ قالتا : عليك ! قال : إني رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير ، وإن هذا شيء شبه لهم ، وأمرها فجمعت له الحواريين ، فبثهم في الأرض رسلا عن الله وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمره الله به ، ثم رفعه الله إليه وأكساه الريش ، وألبسه النور ، وقطع عنه لذة المطعم ، والمشرب ، وطار مع الملائكة ، فهو معهم ، فصار إنسيا ملكيا سماويا أرضيا .

فتفرق الحواريون حيث أمرهم ، فتلك الليلة التي أهبطه الله فيها هي التي تدخن فيها النصارى .

وتعدى اليهود على بقية الحواريين يعذبونهم ويشتمونهم ، فسمع بذلك ملك الروم ، واسمه " هيرودس " ، وكانوا تحت يده ، وكان صاحب وثن ، فقيل له : إن رجلا كان في بني إسرائيل وكان يفعل الآيات من إحياء الموتى ، وخلق الطير من الطين والإخبار عن الغيوب فعدوا عليه فقتلوه ، وكان يخبرهم أنه رسول الله . فقال الملك : ويحكم ما منعكم أن تذكروا هذا من أمره ، فوالله لو علمت ما خليت بينهم وبينه ! ثم بعث إلى الحواريين فانتزعهم من أيدي اليهود ، وسألهم عن دين عيسى ، فأخبروه ، وتابعهم على دينهم ، واستنزل المصلوب الذي شبه لهم فغيبه ، وأخذ الخشبة التي صلب عليها فأكرمها ، وصانها وعدا على بني إسرائيل فقتل منهم قتلى كثيرة ، فمن هناك كان أصل النصرانية في الروم .

وقيل : كان هذا الملك هيرودس ينوب عن الملك الأعظم الملقب قيصر ، واسمه طيباريوس ، وكان هذا أيضا يسمى ملكا . وكان ملك طيباريوس ثلاثا وعشرين سنة ، منها إلى ارتفاع المسيح ثماني عشرة سنة وأيام .

التالي السابق


الخدمات العلمية