الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل :

السنة أن يمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه ، والأفضل أن يضع يده مفرجة الأصابع على أصابع رجليه ثم يجرها إلى ساقه ، ولو بدأ بأسفل الساق قبل رءوس الأصابع جاز .

وقال ابن أبي موسى : " السنة أن يمسح أعلاه وأسفله؛ لما روى المغيرة بن شعبة " أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله " ، رواه الخمسة إلا النسائي .

ولأنه موضع يحاذي محل الفرض فأشبه أعلاه؛ ولأنه استيعاب بالمسح فكان مشروعا كمسح الرأس والعمامة ، والأول هو المذهب المنصوص .

[ ص: 273 ] لقول علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه " رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

وعن المغيرة بن شعبة قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن .

وذاك الحديث قال الترمذي : " هو معلول " وضعفه أحمد ، والبخاري وأبو زرعة .

قال أحمد : " الصحيح من حديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف " ولأن أسفل الخف ليس بمحل الفرض فكذلك لسنته كالساق ، وقد بين علي رضي الله عنه أن الرأي وإن اقتضى مسحه ؛ لكونه محل الوسخ والأذى إلا أن السنة أحق أن تتبع ، مع أن رأيا يخالف السنة رأي فاسد؛ لأن أسفله مظنة ملاقاة النجاسة وكثرة الوسخ فيفضي إلى تلويث اليد من غير فائدة ؛ إذ ليس المقصود إزالة الوسخ عن الخف ولهذا لا يشرع [ ص: 274 ] غسله بل غسله كغسل الرأس؛ ولأن استيعابه بالمسح يفضي إلى إخلاقه وإتلافه من غير فائدة كما تقدم ؛ وذلك لا يشرع ، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين العمامة فإنه لا أذى هناك ولا يخاف بللها ؛ لأن مواضع المسح تتبدل بتبدل الوتاد ، والصفة التي ذكرناها رواها ابن ماجه عن جابر قال : " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يغسل خفيه فقال بيده كأنه دفعه ( إنما أمرت بالمسح هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق خططا بالأصابع ) .

ورواه أبو عبد الله بن حامد ولفظه " إنما لم تؤمر بهذا فأراه وقال بيده من مقدم الخف إلى الساق وفرق بين الأصابع " وهذا أقرب إلى مسح ظهر الخف بجميع تلك اليد ؛ بخلاف لو بدأ بما يلي الساق فإن بعض البلل يذهب في الساق ، وروى الخلال بإسناده عن المغيرة بن شعبة أنه ذكر وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثم توضأ ومسح على الخفين فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين " قال القاضي وابن عقيل : " سنة المسح هكذا أن يمسح خفيه بيده اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى " قال الإمام أحمد : " كيف ما فعلت فهو جائز باليد الواحدة أو [ ص: 275 ] باليدين ولا يسن تكرار المسح ، ولا يتبع ما بين الأصابع بالماء ، ولا يجب استيعابه بالمسح لما ذكرنا .

قال أحمد : " المسح على الخف هو مس أعلاه خططا بالأصابع " وقال: هو أثبت عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقد روي في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح مرة واحدة ، وكذلك عن ابن عمر ، وعن ابن عباس وأنس ، ومسح عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى رأيت آثار أصابعه ، وكذلك قيس بن سعد بن عبادة؛ ولأن الاستيعاب والتكرار يوهيه ويخلقه من غير فائدة ، والواجب مسح أكثره فلا يجزئ مسح ثلاث أصابع ويسمى مسحا؛ لما ذكرنا من حديث جابر ، وقوله : " إنما أمرت هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق " والأمر يقتضي الإيجاب لا سيما وقد أخرجه مخرج البيان للمسح المسقط لفرض الغسل .

وفي حديث المغيرة وغيره " أنه مسح بكفه " وفعله هو المفسر للمسح المفروض ، وقد كان القياس يقتضي مسح جميعه؛ لأنه بدل عن مغسول فكان كالجبيرة وعضوي التيمم لكن سقط أسفله وعقبه؛ لما ذكرنا فبقي ظاهره، والأكثر يقام مقام الجميع في كثير من المواضع بخلاف الأقل ، والمفروض مسح أكثر ظهر القدم ، فلو مسح بدل ذلك أسفله أو عقبه لم يجزئه ؛ لما روى [ ص: 276 ] الخلال عن عمر قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالمسح على ظاهر الخفين إذا لبسهما وهما طاهرتان " .

ولما تقدم من حديث جابر؛ ولأن عليا بين أن السنة قدمت ظهر الخف على أسفله مخالفة للرأي الذي يوجب تقديم أسفله ، فمتى مسح أسفله فقد وافق الرأي الفاسد؛ ولأن فعله خرج امتثالا وبيانا لسنة المسح المفروضة بدلا عن الغسل ، وإن مسح بخرقة أو بأصبع واحدة، أو غسل بدلا عن المسح فهو كما ذكرنا في مسح الرأس ، وأما العمامة فالسنة استيعابها ، قال أحمد : " يمسح على العمامة كما يمسح على رأسه " وهو واجب في الوجهين اختاره أبو حفص البرمكي؛ لأنه حائل شرع مسح جميعه فوجب كالجبيرة؛ ولأن الأصل أن البدل يحكي المبدل لا سيما المبدل من الجنس ، كقراءة غير الفاتحة بدلا عن الفاتحة بخلاف غير الجنس ، كالتسبيح عن القرآن ، والثاني : لا يجب وهو اختيار أكثرهم بل يجزئ أكثرها كالخف؛ لما روى المغيرة بن شعبة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فتبرز لحاجة ثم جاء " فتوضأ ومسح على ناصيته وجانبي عمامته ومسح على خفيه " رواه النسائي ؛ ولأنه بدل ممسوح رخصة فلم يجب استيعابه كالخف، وإن أبان البدل منه هناك غسل ويجب استيعابه وفاقا .

[ ص: 277 ] وبهذا يفارق الجبيرة؛ لأنها جعلت كالجلد فمسحت في الطهارتين من غير توقيت، وهذان الوجهان فرع على ظاهر المذهب وهو وجوب استيعاب الرأس فأما إن قلنا: يجزئ الأكثر أو قدر الناصية من الرأس ومن الناصية فهاهنا أولى ، ويختص محل الإجزاء بأكوارها ، وهي دوائرها دون وسطها في أحد الوجهين؛ لأن وسطها باطن فهو بمنزلة أسفل الخف، وفي الآخر يجزئ من الجميع؛ لأن الاسم يقع على الجميع وليس باطنها محلا للأولى بخلاف الخف .

التالي السابق


الخدمات العلمية