الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                  قوله تعالى : ( قل اللهم مالك الملك ) الآية [ 26 ] .

                                                                                                                                                                  197 - قال ابن عباس وأنس بن مالك : لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ووعد أمته ملك فارس والروم ، قالت المنافقون واليهود : هيهات ! هيهات ! من أين لمحمد ملك فارس والروم ؟ وهم أعز وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .

                                                                                                                                                                  198 - أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين [ الحدادي ] ، أخبرنا محمد بن يحيى ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا روح بن عبادة ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته ، فأنزل الله تعالى : ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ) الآية .

                                                                                                                                                                  199 - حدثنا الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان ، أخبرنا محمد بن جعفر المطيري ، حدثنا حماد بن الحسن ، حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، حدثني أبي عن أبيه ، قال : خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخندق يوم الأحزاب ، ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا . قال عمرو بن عوف : كنت أنا وسلمان ، وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني ، وستة من الأنصار في أربعين ذراعا . فحفرنا حتى إذا كنا تحت ( ذوناب ) ، أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا ، فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره خبر هذه الصخرة ، فإما أن نعدل عنها ، وإما أن يأمرنا فيها بأمره ، فإنا لا نحب أن نجاوز خطه .

                                                                                                                                                                  قال : فرقي سلمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ضارب عليه قبة تركية ، فقال : يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق ، فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير ، فمرنا فيها بأمرك ، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك ، قال : فهبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع سلمان الخندق ، والتسعة على شفة الخندق ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها - يعني المدينة - حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم .

                                                                                                                                                                  وكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح ، فكبر المسلمون ، ثم ضربها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثانية وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها ، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح ، وكبر المسلمون ، ثم ضربها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها ، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، وكبر [ ص: 53 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح ، وكبر المسلمون ، وأخذ بيد سلمان ورقي ، فقال سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط . فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى القوم فقال : رأيتم ما يقول سلمان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى ، كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل ، - عليه السلام - أن أمتي ظاهرة عليها . ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم ، كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل - عليه السلام - أن أمتي ظاهرة عليها . ثم ضربت ضربتي الثالثة ، فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل - عليه السلام - أن أمتي ظاهرة عليها ، فأبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله ، موعد صدق ، وعدنا النصر بعد الحفر . فقال المنافقون : ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم ، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق ، ولا تستطيعون أن تبرزوا ! قال : فنزل القرآن : ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) . وأنزل الله تعالى في هذه القصة ، قوله : ( قل اللهم مالك الملك ) الآية


                                                                                                                                                                  .

                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية