الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر بعض سيرته

قال عقال بن شبة : دخلت على هشام وعليه قباء فنك أخضر ، فوجهني إلى خراسان وجعل يوصيني وأنا أنظر إلى القباء ، ففطن فقال : ما لك ؟ فقلت : رأيت عليك قبل أن تلي الخلافة قباء مثل هذا فجعلت أتأمل أهو هذا أم غيره . فقال : هو والله ذاك ، وأما ما ترون من جمعي المال وصونه فهو لكم . قال : وكان محشوا عقلا . وقيل : وضرب رجل نصراني غلاما لمحمد بن هشام فشجه ، فذهب خصي لمحمد فضرب النصراني ، وبلغ هشاما الخبر وطلب الخصي فعاذ بمحمد ، فقال له محمد : ألم آمرك ؟ فقال الخصي : بلى والله قد أمرتني . فضرب هشام الخصي وشتم ابنه .

قال عبد الله بن عبد الله بن عباس : جمعت دواوين بني أمية ، فلم أر ديوانا أصح [ ص: 283 ] ولا أصلح للعامة والسلطان من ديوان هشام . وقيل : وأتي هشام برجل عنده قيان وخمر وبربط ، فقال : اكسروا الطنبور على رأسه . فبكى الشيخ لما ضربه . فقال : عليك بالصبر . فقال : أتراني أبكي للضرب ؟ إنما أبكي لاحتقاره البربط إذ سماه طنبورا ! قال : وأغلظ رجل لهشام ، فقال له : ليس لك أن تغلظ لإمامك . قيل : وتفقد هشام بعض ولده فلم يحضر الجمعة ، فقال : ما منعك من الصلاة ؟ قال : نفقت دابتي . قال : أفعجزت عن المشي ؟ فمنعه الدابة سنة . قيل : وكتب إليه بعض عماله : قد بعثت إلى أمير المؤمنين بسلة دراقن ، وكتب إليه : قد وصل الدراقن فأعجب أمير المؤمنين ، فزد منه واستوثق من الدعاء . وكتب إلى عامل له قد بعث بكمأة : قد وصلت الكمأة وهي أربعون ، وقد تغير بعضها من حشوها ، فإذا بعثت شيئا فأجد حشوها في الظرف الذي تجعلها فيه بالرمل حتى لا تضطرب ولا يصيب بعضها بعضا . وقيل له : أتطمع في الخلافة ؟ فأنت بخيل جبان ! قال : ولم لا أطمع فيها وأنا حليم عفيف ؟

قيل : وكان هشام ينزل الرصافة وهي من أعمال قنسرين ، وكان الخلفاء قبله وأبناء الخلفاء ينتبذون هربا من الطاعون فينزلون البرية ، فلما أراد هشام أن ينزل الرصافة قيل له : لا تخرج فإن الخلفاء لا يطعنون ولم ير خليفة طعن . قال : أتريدون أن تجربوا في ؟ فنزلها ، وهي مدينة رومية .

قيل : إن الجعد بن درهم أظهر مقالته بخلق القرآن أيام هشام بن عبد الملك ، فأخذه هشام وأرسله إلى خالد القسري ، وهو أمير العراق ، وأمر بقتله ، فحبسه خالد ولم [ ص: 284 ] يقتله ، فبلغ الخبر هشاما ، فكتب إلى خالد يلومه ويعزم عليه أن يقتله ، فأخرجه خالد من الحبس في وثاقه ، فلما صلى العيد يوم الأضحى قال في آخر خطبته : انصرفوا وضحوا يقبل الله منكم ، فإني أريد أن أضحي اليوم بالجعد بن درهم ، فإنه يقول : ما كلم الله موسى ، ولا اتخذ إبراهيم خليلا ، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا . ثم نزل وذبحه .

قيل : إن غيلان بن يونس ، وقيل ابن مسلم ، أبا مروان أظهر القول بالقدر في أيام عمر بن عبد العزيز ، فأحضره عمر واستتابه ، فتاب ثم عاد إلى الكلام فيه أيام هشام ، فأحضره من ناصرة ، ثم أمر به فقطعت يداه ورجلاه ، ثم أمر به فصلب .

قيل : وجاء محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب إلى هشام ، فقال : ليس لك عندي صلة ، ثم قال : إياك أن يغرك أحد فيقول لم يعرفك أمير المؤمنين ، إني عرفتك ، أنتمحمد بن زيد فلا تقيمن وتنفق ما معك ، فليس لك عندي صلة ، الحق بأهلك .

قال مجمع بن يعقوب الأنصاري : شتم هشام رجلا من الأشراف ، فوبخه الرجل وقال : أما تستحي أن تشتمني وأنت خليفة الله في الأرض ؟ فاستحيا منه وقال : اقتص مني . قال : إذا أنا سفيه مثلك . قال : فخذ مني عوضا من المال . قال : ما كنت لأفعل . قال : فهبها لله . قال : هي لله ثم لك . فنكس هشام رأسه واستحيا وقال : والله لا أعود إلى مثلها أبدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية