الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة الثالثة : يفهم من إطلاق قوله تعالى : ومن قتل مظلوما [ 17 \ 33 ] أن حكم الآية يستوي فيه القتل بمحدد كالسلاح ، وبغير محدد كرضخ الرأس بحجر ونحو ذلك ; لأن الجميع يصدق عليه اسم القتل ظلما فيجب القصاص .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول جمهور العلماء ، منهم مالك ، والشافعي ، وأحمد في أصح الروايتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال النووي في " شرح مسلم " : هو مذهب جماهير العلماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وخالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال : لا يجب القصاص إلا في القتل بالمحدد خاصة ، سواء كان من حديد ، أو حجر ، أو خشب ، أو فيما كان معروفا بقتل الناس كالمنجنيق ، والإلقاء في النار .

                                                                                                                                                                                                                                      واحتج الجمهور على أن القاتل عمدا بغير المحدد يقتص منه بأدلة :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول ما ذكرنا من إطلاق النصوص في ذلك . الثاني : حديث أنس بن مالك المشهور الذي أخرجه الشيخان ، وباقي الجماعة : أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها ، فرضخ رأسها بالحجارة ، فاعترف بذلك فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين ، رض رأسه بهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الحديث المتفق عليه نص صريح صحيح في محل النزاع ، تقوم به الحجة على الإمام أبي حنيفة رحمه الله ، ولا سيما على قوله : باستواء دم المسلم والكافر المعصوم الدم كالذمي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 91 ] ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌الثالث : ما أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه وغيرهما ، عن حمل بن مالك من القصاص في القتل بالمسطح . قال النسائي : أخبرنا يوسف بن سعيد ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال أخبرني عمرو بن دينار : أنه سمع طاوسا يحدث عن ابن عباس ، عن عمر رضي الله عنه : أنه نشد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فقام حمل بن مالك فقال : كنت بين حجرتي امرأتين ، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة ، وأن تقتل بها . وقال أبو داود : حدثنا محمد بن مسعود المصيصي ، حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار : أنه سمع طاوسا عن ابن عباس ، عن عمر : أنه سأل في قضية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال : كنت بين امرأتين ، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة ، وأن تقتل . قال أبو داود : قال النضر بن شميل : المسطح هو الصولج . قال أبو داود : وقال أبو عبيد : المسطح عود من أعواد الخباء . وقال ابن ماجه : حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ، ثنا أبو عاصم ، أخبرني ابن جريج ، حدثني عمرو بن دينار : أنه سمع طاوسا ، عن ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب أنه نشد الناس قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ( يعني في الجنين ) فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال : كنت بين امرأتين لي ، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وقتلت جنينها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد ، وأن تقتل بها . انتهى من السنن الثلاث بألفاظها .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يخفى أن هذا الإسناد صحيح ، فرواية أبي داود ، عن محمد بن مسعود المصيصي وهو ابن مسعود بن يوسف النيسابوري ، ويقال له : المصيصي أبو جعفر العجمي نزيل طرسوس والمصيصة ، وهو ثقة عارف . ورواية ابن ماجه عن أحمد بن سعيد الدارمي ، وهو ابن سعيد بن صخر الدارمي أبو جعفر ، وهو ثقة حافظ ، وكلاهما ( أعني محمد بن مسعود المذكور عند أبي داود ، وأحمد بن سعيد المذكور عند ابن ماجه ) روى هذا الحديث عن أبي عاصم وهو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني ، وهو أبو عاصم النبيل ، وهو ثقة ثبت . والضحاك رواه عن ابن جريج ، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وهو ثقة فقيه فاضل ، وكان يدلس ويرسل ، إلا أن هذا الحديث صرح فيه بالتحديث والإخبار عن عمرو بن دينار وهو ثقة ثبت ، عن طاوس وهو ثقة فقيه فاضل ، عن ابن عباس ، عن حمل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 92 ] وأما رواية النسائي فهي عن يوسف بن سعيد ، وهو ابن سعيد بن مسلم المصيصي ثقة حافظ ، عن حجاج بن محمد ، وهو ابن محمد المصيصي الأعور أبو محمد الترمذي الأصل نزيل بغداد ثم المصيصة ثقة ثبت ، لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته ، عن ابن جريج ، إلى آخر السند المذكور عند أبي داود وابن ماجه . وهذا الحديث لم يخلط فيه حجاج المذكور في روايته له عن ابن جريج ; بدليل رواية أبي عاصم له عند أبي داود وابن ماجه ، عن ابن جريج كرواية حجاج المذكور عند النسائي ، وأبو عاصم ثق ثبت .

                                                                                                                                                                                                                                      رواه البيهقي عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، وجزم بصحة هذا الإسناد ابن حجر في الإصابة في ترجمة حمل المذكور . وقال البيهقي في " السنن الكبرى " في هذا الحديث : وهذا إسناد صحيح ، وفيما ذكر أبو عيسى الترمذي في كتاب " العلل " قال : سألت محمدا ( يعني البخاري ) عن هذا الحديث فقال : هذا حديث صحيح ، رواه ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، وابن جريج حافظ اه .

                                                                                                                                                                                                                                      فهذا الحديث نص قوي في القصاص في القتل بغير المحدد ; لأن المسطح عمود . قال الجوهري في صحاحه : والمسطح أيضا عمود الخباء . قال الشاعر وهو مالك بن عوف النصري :


                                                                                                                                                                                                                                      تعرض ضيطارو خزاعة دوننا وما خير ضيطار يقلب مسطحا



                                                                                                                                                                                                                                      يقول : تعرض لنا هؤلاء القوم ليقاتلونا وليسوا بشيء ; لأنهم لا سلاح معهم سوى المسطح والضيطار ، هو الرجل الضخم الذي لا غناء عنده .

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : ظواهر آيات من كتاب الله تدل على القصاص في القتل بغير المحدد ; كقوله تعالى : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم الآية [ 2 \ 194 ] ، وقوله : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به [ 16 \ 126 ] ، وقوله : وجزاء سيئة سيئة مثلها [ 42 \ 40 ] ، وقوله : ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه الآية [ 22 \ 60 ] ، وقوله : ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس الآية [ 42 \ 41 - 42 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الموطأ ما نصه : وحدثني يحيى عن مالك ، عن عمر بن حسين مولى عائشة بنت قدامة : أن عبد الملك بن مروان أقاد ولي رجل من رجل قتله بعصا . فقتله وليه [ ص: 93 ] بعصا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مالك : والأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه عندنا : أن الرجل إذا ضرب الرجل بعصا أو رماه بحجر ، أو ضربه عمدا فمات من ذلك ; فإن هذا هو العمد وفيه القصاص .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مالك : فقتل العمد عندنا أن يعمد الرجل إلى الرجل فيضربه حتى تفيض نفسه اه محل الغرض منه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قدمنا أن هذا القول بالقصاص في القتل بالمثقل هو الذي عليه جمهور العلماء ، منهم الأئمة الثلاثة ، والنخعي ، والزهري ، وابن سيرين ، وحماد ، وعمرو بن دينار ، وابن أبي ليلى ، وإسحاق ، وأبو يوسف ، ومحمد ، نقله عنهم ابن قدامة في المغني .

                                                                                                                                                                                                                                      وخالف في ذلك أبو حنيفة ، والحسن ، والشعبي ، وابن المسيب ، وعطاء ، وطاوس رحمهم الله ، فقالوا : لا قصاص في القتل بالمثقل ، واحتج لهم بأدلة :

                                                                                                                                                                                                                                      منها أن القصاص يشترط له العمد ، والعمد من أفعال القلوب ، ولا يعلم إلا بالقرائن الجازمة الدالة عليه ، فإن كان القتل بآلة القتل كالمحدد ، علم أنه عامد قتله ، وإن كان بغير ذلك لم يعلم عمده للقتل ; لاحتمال قصده أن يشجه أو يؤلمه من غير قصد قتله فيئول إلى شبه العمد .

                                                                                                                                                                                                                                      ومنها ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة . ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها ، وأن العقل على عصبتها " .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية : " اقتتلت امرأتان من هذيل ; فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ; فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها " .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا : فهذا حديث متفق عليه ، يدل على عدم القصاص في القتل بغير المحدد ; لأن روايات هذا الحديث تدل على القتل بغير محدد ; لأن في بعضها أنها قتلتها بعمود ، وفي بعضها أنها قتلتها بحجر .

                                                                                                                                                                                                                                      ومنها ما روي عن النعمان بن بشير ، وأبي هريرة ، وعلي ، وأبي بكرة رضي الله عنهم مرفوعا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا قود إلا بحديدة " . وفي بعض رواياته : " كل شيء [ ص: 94 ] خطأ إلا السيف ، ولكل خطأ أرش " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد حاول بعض من نصر هذا القول من الحنفية رد حجج مخالفيهم ، فزعم أن رض النبي صلى الله عليه وسلم رأس اليهودي بين حجرين إنما وقع بمجرد دعوى الجارية التي قتلها . وأن ذلك دليل على أنه كان معروفا بالإفساد في الأرض ; ولذلك فعل به صلى الله عليه وسلم ما فعل .

                                                                                                                                                                                                                                      ورد رواية ابن جريج عن طاوس عن ابن عباس المتقدمة بأنها مخالفة للروايات الثابتة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على عاقلة المرأة لا بالقصاص .

                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي في ( السنن الكبرى ) بعد أن ذكر صحة إسناد الحديث عن ابن عباس بالقصاص من المرأة التي قتلت الأخرى بمسطح كما تقدم ما نصه : إلا أن في لفظ الحديث زيادة لم أرها في شيء من طرق هذا الحديث ، وهي قتل المرأة بالمرأة ، وفي حديث عكرمة عن ابن عباس موصولا ، وحديث ابن طاوس عن أبيه مرسلا ، وحديث جابر وأبي هريرة موصولا ثابتا أنه قضى بديتها على العاقلة ، انتهى محل الغرض من كلام البيهقي بلفظه .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر البيهقي أيضا : أن عمرو بن دينار روجع في هذا الحديث بأن ابن طاوس رواه عن أبيه على خلاف رواية عمرو ، فقال للذي راجعه : شككتني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأجيب من قبل الجمهور عن هذه الاحتجاجات : بأن رضه رأس اليهودي قصاص ; ففي رواية ثابتة في الصحيحين وغيرهما أن النبي لم يقتله حتى اعترف بأنه قتل الجارية ; فهو قتل قصاص باعتراف القاتل ، وهو نص متفق عليه ، صريح في محل النزاع ، ولا سيما عند من يقول باستواء دم المسلم والكافر كالذمي ; كأبي حنيفة رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأجابوا عن كون العمد من أفعال القلوب ، وأنه لا يعلم كونه عامدا إلا إذا ضرب بالآلة المعهودة للقتل بأن المثقل كالعمود والصخرة الكبيرة من آلات القتل كالسيف ; لأن المشدوخ رأسه بعمود أو صخرة كبيرة يموت من ذلك حالا عادة كما يموت المضروب بالسيف ، وذلك يكفي من القرينة على قصد القتل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأجابوا عما ثبت من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم على عاقلة المرأة القاتلة بعمود أو حجر بالدية من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أنه معارض بالرواية الصحيحة التي قدمناها عند أبي داود ، والنسائي ، وابن [ ص: 95 ] ماجه من حديث حمل بن مالك وهو كصاحب القصة . لأن القاتلة والمقتولة زوجتاه من كونه صلى الله عليه وسلم قضى فيها بالقصاص لا بالدية .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : ما ذكره النووي في شرح مسلم وغيره ، قال : وهذا محمول على حجر صغير وعمود صغير لا يقصد به القتل غالبا ، فيكون شبه عمد تجب فيه الدية على العاقلة ، ولا يجب فيه قصاص ولا دية على الجاني ، وهذا مذهب الشافعي والجماهير اه كلام النووي رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : وهذا الجواب غير وجيه عندي ; لأن في بعض الروايات الثابتة في الصحيح : أنها قتلت بعمود فسطاط ، وحمله على الصغير الذي لا يقتل غالبا بعيد .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : هو ما ذكره ابن حجر في " فتح الباري " من أن مثل هذه المرأة لا تقصد غالبا قتل الأخرى ، قال ما نصه :

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاب من قال به - يعني القصاص في القتل بالمثقل - بأن عمود الفسطاط يختلف بالكبر والصغر ، بحيث يقتل بعضه غالبا ولا يقتل بعضه غالبا ، وطرد المماثلة في القصاص إنما يشرع فيما إذا وقعت الجناية بما يقتل غالبا .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا الجواب نظر ، فإن الذي يظهر أنه إنما لم يجب فيه القود لأنها لم يقصد مثلها وشرط القود العمد ، وهذا إنما هو شبه العمد ، فلا حجة فيه للقتل بالمثقل ولا عكسه . انتهى كلام ابن حجر بلفظه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : والدليل القاطع على أن قتل هذه المرأة لضرتها خطأ في القتل شبه عمد ; لقصد الضرب دون القتل بما لا يقتل غالبا ، تصريح الروايات المتفق عليها بأنه صلى الله عليه وسلم جعل الدية على العاقلة ، والعاقلة لا تحمل العمد بإجماع المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأجابوا عن حديث : " لا قود إلا بحديدة " بأنه لم يثبت .

                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي في " السنن الكبرى " بعد أن ساق طرقه عن النعمان بن بشير ، وأبي بكرة ، وأبي هريرة ، وعلي رضي الله عنهم ما نصه :

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الحديث لم يثبت له إسناد فعلي بن هلال الطحان متروك ، وسليمان بن أرقم ضعيف ، ومبارك بن فضالة لا يحتج به ، وجابر بن يزيد الجعفي مطعون فيه اه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن حجر " في فتح الباري في باب إذا قتل بحجر أو عصا " ما نصه :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 96 ] وخالف الكوفيون فاحتجوا بحديث " لا قود إلا بالسيف " وهو حديث ضعيف أخرجه البزار ، وابن عدي من حديث أبي بكرة ، وذكر البزار الاختلاف فيه مع ضعف إسناده : وقال ابن عدي : طرقه كلها ضعيفة ، وعلى تقدير ثبوته فإنه على خلاف قاعدتهم في : أن السنة لا تنسخ الكتاب ولا تخصصه .

                                                                                                                                                                                                                                      واحتجوا أيضا بالنهي عن المثلة ، وهو صحيح ولكنه محمول عند الجمهور على غير المثلة في القصاص بين الدليلين . انتهى الغرض من كلام ابن حجر بلفظه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في " نيل الأوطار " ما نصه :

                                                                                                                                                                                                                                      وذهبت العترة والكوفيون ، ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف ، واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجه ، والبزار ، والطحاوي ، والطبراني ، والبيهقي ، بألفاظ مختلفة منها " لا قود إلا بالسيف " . وأخرجه ابن ماجه أيضا ، والبزار ، والبيهقي من حديث أبي بكرة ، وأخرجه الدارقطني ، والبيهقي ، من حديث أبي هريرة . وأخرجه الدارقطني من حديث علي ، وأخرجه البيهقي ، والطبراني من حديث ابن مسعود . وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك ، حتى قال أبو حاتم : حديث منكر . وقال عبد الحق وابن الجوزي : طرقه كلها ضعيفة . وقال البيهقي : لم يثبت له إسناد . انتهى محل الغرض من كلام الشوكاني رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا شك في ضعف هذا الحديث عند أهل العلم بالحديث . وقد حاول الشيخ ابن التركماني تقويته في " حاشيته على سنن البيهقي " بدعوى تقوية جابر بن يزيد الجعفي ، ومبارك بن فضالة ، مع أن جابرا ضعيف رافضي ، ومبارك يدلس تدليس التسوية .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : الذي يقتضي الدليل رجحانه عندي : هو القصاص مطلقا في القتل عمدا بمثقل كان أو بمحدد ، لما ذكرنا من الأدلة ، ولقوله جل وعلا : ولكم في القصاص حياة الآية [ 2 \ 179 ] ; لأن القاتل بعمود أو صخرة كبيرة إذا علم أنه لا يقتص منه جرأه ذلك على القتل ، فتنتفي بذلك الحكمة المذكورة في قوله تعالى : ولكم في القصاص حياة الآية ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية