الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : اتفقوا على أن التجارة إذا أوقعت نقصانا في الطاعة لم تكن مباحة ، أما إن لم توقع نقصانا ألبتة فيها فهي من المباحات التي الأولى تركها ، لقوله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) [البينة : 5] والإخلاص أن لا يكون له حامل على الفعل سوى كونه عبادة ، وقال عليه السلام حكاية عن الله تعالى : "أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه" والحاصل أن الإذن في هذه التجارة جار مجرى الرخص .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) ؛ فيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الإفاضة الاندفاع في السير بكثرة ، ومنه يقال : أفاض البعير بجرته ، إذا وقع بها فألقاها منبثة ، وكذلك أفاض الأقداح في الميسر ، معناه جمعها ثم ألقاها متفرقة ، وإفاضة الماء من هذا ؛ لأنه إذا صب تفرق ، والإفاضة في الحديث إنما هي الاندفاع فيه بإكثار وتصرف في وجوهه ، وعليه قوله تعالى : ( إذ تفيضون فيه ) [يونس : 61] ومنه يقال للناس : فوض ، وأيضا جمعهم فوضى ، ويقال : أفاضت العين دمعها ، فأصل هذه الكلمة الدفع للشيء حتى يتفرق . فقوله تعالى : ( أفضتم ) أي دفعتم بكثرة ، وأصله أفضتم أنفسكم ، فترك ذكر المفعول ، كما ترك في قولهم : دفعوا من موضع كذا وصبوا ، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه : ونزل في وادي قيروان وهو يخدش بعيره بمحجنه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ( عرفات ) جمع عرفة ، سميت بها بقعة واحدة ، كقولهم : ثوب أخلاق ، وبرمة أعشار ، وأرض سباسب ، والتقدير : كأن كل قطعة من تلك الأرض عرفة فسمي مجموع تلك القطع بعرفات ، فإن قيل : هلا منعت من الصرف ؛ وفيها السببان : التعريف والتأنيث! قلنا : هذه اللفظة في الأصل اسم لقطع كثيرة من الأرض ، كل واحدة منها مسماة بعرفة ، وعلى هذا التقدير لم يكن علما ، ثم جعلت علما لمجموع تلك القطع فتركوها بعد ذلك على أصلها في عدم الصرف .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية