الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5074 ص: وكان من الحجة لهم في ذلك ما قد ذكرناه في هذه الآثار: أن رسول الله -عليه السلام- لما قضى على المحكوم عليه بالغرة قال: كيف نعقل من لا أكل ولا شرب ولا نطق؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فيه غرة : عبد أو أمة. ولم يقل للذي سجع ذلك السجع: إنما حكمت هذا للجناية على المرأة لا في الجنين، وقد دل على ذلك أيضا ما قد روينا فيما تقدم من هذا الكتاب: أن المضروبة ماتت بعد ذلك من الضربة، فقضى رسول الله -عليه السلام- فيها بالدية مع قضائه بالغرة، فلو كانت الغرة للمرأة المقتولة إذا لما قضى لها بالدية، ولكن حكمها حكم امرأة ضربتها امرأة فماتت من ضربها فعليها ديتها، ولا يجب عليها للضربة أرش.

                                                فلما حكم رسول الله -عليه السلام- مع دية المرأة بالغرة; ثبت بذلك أن الغرة دية للجنين لا لها، فهي موروثة عن الجنين كما يورث ماله لو كان حيا فمات؛ اتباعا لما روي عن رسول الله -عليه السلام-.

                                                وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه من أن الغرة يرثها من كان يرث الجنين لو كان حيا ومات.

                                                والباقي كله ظاهر.

                                                فإن قيل: الجنين لا يخلو حاله عن أمرين:

                                                الأول: أن يكون قد تجاوز الحمل به مائة وعشرين ليلة.

                                                [ ص: 418 ] الثاني: أن لا يكون ذلك.

                                                ففي الأول يرثه ورثته لو كان حيا مسلما، لأنه قد نفخ فيه الروح، فصار كالقتيل، فيرث ورثته ديته. وفي الثاني لا شيء.

                                                هذا; لأنه إنما هو ماء، أو علقة من دم، أو مضغة من عضل، أو عظام ولحم، وليس هو بحي، فهو في كل ذلك بعض أمه، فإذا سقط بضرب أحد يكون كمن ضرب أمه وقطع عضوا منها، فلا يكون الضارب قاتلا ولا الجنين مقتولا، وإذا لم يكن مقتولا لا يكون له حكم القتيل، فتكون الغرة لأمه.

                                                ثم الدليل على ما ذكرنا من التفصيل ما رواه مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير، قالا: ثنا وكيع وأبو معاوية، قالا جميعا: عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله -عليه السلام- وهو الصادق المصدوق قال: "يجمع أحدكم خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد".

                                                قلت: هذا كله سفهه أهل الظاهر.

                                                وقول الطحاوي -رحمه الله-: "وقد دل على ذلك أيضا ما رويناه ...." إلى آخره يقطع هذه السفهة، ويرفع هذا السؤال بأقل قدر. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية