الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2098 154 - ( حدثني إسحاق قال : حدثنا ابن نمير قال : أخبرنا هشام ح ، وحدثني محمد قال : سمعت عثمان بن فرقد قال : سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه ، أنه سمع عائشة - رضي الله عنها - تقول : ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف أنزلت في والي اليتيم الذي يقيم عليه ويصلح في ماله ، إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : أكل منه بالمعروف .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم سبعة : الأول إسحاق ، قال الغساني : لم أجده منسوبا لأحد من الرواة ، وقال خلف وغيره في الأطراف : إنه إسحاق بن منصور ، واستخرج أبو نعيم هذا الحديث من مسند إسحاق بن راهويه عن ابن نمير وقال : أخرجه البخاري عن إسحاق ، وقال في التفسير : أخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور . الثاني : ابن نمير هو عبد الله بن نمير بضم النون ، وقد مر في التيمم . الثالث : هشام بن عروة . الرابع : محمد بن المثنى المشهور بالزمن ، وقد مر في الإيمان ، كذا قاله الكرماني ، ويقال هو محمد بن سلام ، والظاهر أنه هو الأول . الخامس : عثمان بن فرقد ، بفتح الفاء وسكون الراء وفتح القاف ، وفي آخره دال مهملة على وزن جعفر ، هو العطار فيه مقال، لكن البخاري لم يخرج له موصولا إلا هذا الحديث ، وقد قرنه بابن نمير ، وذكر له آخر تعليقا في المغازي . السادس : عروة بن الزبير بن العوام . السابع : أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع ، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه السماع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه القول في ثلاثة مواضع ، وفيه أن شيخه إسحاق إن كان ابن منصور فهو مروزي انتقل إلى نيسابور ، وإن كان هو ابن راهويه فكذلك مروزي انتقل إلى نيسابور ، وفيه أن شيخه الآخر إن كان ابن المثنى فهو بصري ، وإن كان محمد بن سلام فهو البخاري البيكندي ، وفيه أن عبد الله بن نمير كوفي ، وأن عثمان بن فرقد بصري ، وأن هشاما وأباه عروة مدنيان .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 19 ] ( ذكر تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا من حديث عبد الله بن نمير عن هشام في التفسير ، ومن طريق عثمان بن فرقد من أفراده ، وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي كريب عن عبد الله بن نمير به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف هذا في سورة النساء وأول الآية : وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا .

                                                                                                                                                                                  قوله : وابتلوا اليتامى ، أي : اختبروهم ، قاله ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي ومقاتل بن حيان ، قوله : حتى إذا بلغوا النكاح قال مجاهد : يعني الحلم ، قوله : فإن آنستم منهم رشدا يعني : صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم ، قاله سعيد بن جبير ، ثم نهى الله عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية إسرافا ومبادرة قبل بلوغهم ، قوله : ومن كان غنيا ، أي : من كان في غنية عن مال اليتيم فليستعفف عنه ، ولا يأكل منه شيئا ، قوله : أنزلت ، أي : هذه الآية في والي اليتيم ، وهو الذي يلي أمره ويتولاه ، قوله : الذي يقيم عليه قال ابن التين : الصواب يقوم ; لأنه من القيام لا من الإقامة . قلت : لا مانع من ذلك ; لأن معناه يلازمه ويعتكف عليه أو يقيم نفسه عليه ، وكذا أخرجه أبو نعيم عن هشام من وجه آخر ، وذهل صاحب التوضيح عن هذا المعنى ، وقال : الصواب يقوم بالواو ; لأن يقيم متعد بغير حرف جر ، قوله : أكل منه بالمعروف يعني : بقدر قيامه عليه .

                                                                                                                                                                                  وقال الفقهاء : له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته ، واختلفوا هل يرد إذا أيسر ؟ على قولين : أحدهما لا ; لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيرا ، وهو الصحيح عند أصحاب الشافعي ; لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل ، وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا حسين ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ليس لي مال ولي يتيم ، فقال : "كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ، ولا متأثل مالا ، ومن غير أن تقي مالك" ، وقال : تفدي مالك ، شك حسين .

                                                                                                                                                                                  وروى ابن حبان في صحيحه ، وابن مردويه في تفسيره من حديث علي بن مهدي عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عامر الخراز ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر ، أن رجلا قال : يا رسول الله مما أضرب يتيمي ؟ قال : "ما كنت ضاربا منه ولدك غير واق مالك بماله ، ولا متأثل منه مالا " .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن يحيى ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا الثوري ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : جاء أعرابي إلى ابن عباس ، فقال : إن في حجري أيتاما ، وإن لهم إبلا ولي إبل ، وأنا أمنح في إبلي وأفقر ، فماذا يحل لي من ألبانها ؟ فقال : إن كنت تبغي ضالتها ، وتهنأ جرباها ، وتلوط حوضها ، وتسقي عليها ، فاشرب غير مضر بنسل ، ولا ناهك في الحلب . وبهذا القول وهو عدم البدل يقول عطاء بن أبي رباح ، وعكرمة ، وإبراهيم النخعي ، وعطية العوفي ، والحسن البصري .

                                                                                                                                                                                  والثاني : نعم ; لأن مال اليتيم على الخطر ، وإنما أبيح للحاجة فيرد بدله ، كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة ، قوله : ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف يعني القرض ، كذا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وروي من طريق السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : فليأكل بالمعروف قال يأكل بثلاث أصابع ، وقال الشعبي : لا يأكل منه ، إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة ، فإن أكل منه قضاه . رواه ابن أبي حاتم ، وقيل : إن الولي يستقرض من مال اليتيم إذا افتقر . وبه قال عبيدة وعطاء وأبو العالية ، وقيل : فليأكل بالمعروف في مال نفسه لئلا يحتاج إلى مال اليتيم . وقال مجاهد : ليس عليه أن يأخذ قرضا ولا غيره ، وبه قال أبو يوسف ، وذهب إلى أن الآية منسوخة ، نسختها لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل .

                                                                                                                                                                                  قوله : فإذا دفعتم إليهم أموالهم يعني بعد بلوغهم الحلم وإيناس الرشد ، فحينئذ سلموهم أموالهم ، فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ; لئلا يقع من بعضهم جحود وإنكار لما قبضه وتسلمه . قوله : وكفى بالله حسيبا ، أي : محاسبا وشاهدا ورقيبا على الأولياء في حال نظرهم للأم حال تسلمهم الأموال هل هي كاملة وفرة ، أو ناقصة مبخوسة مدحلسة ، مروج حسابها ، مدلس أمورها ، الله عالم بذلك كله ، ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم" .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية