الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4710 حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق قال قال عبد الله لقد تعلمت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤهن اثنين اثنين في كل ركعة فقام عبد الله ودخل معه علقمة وخرج علقمة فسألناه فقال عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع : حديث ابن مسعود أيضا قوله : ( عن شقيق ) هو ابن سلمة وهو أبو وائل مشهور بكنيته أكثر من اسمه : وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش " سمعت أبا وائل " أخرجه الترمذي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عبد الله ) سيأتي في " باب الترتيل " بلفظ : " غدونا على عبد الله " وهو ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لقد تعلمت النظائر ) تقدم شرحه مستوفى في " باب الجمع بين سورتين في الصلاة " من أبواب صفة الصلاة ، وفيه أسماء السور المذكورة ، وأن فيه دلالة على أن تأليف مصحف ابن مسعود على غير تأليف العثماني ، وكان أوله الفاتحة ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ولم يكن على ترتيب النزول ، ويقال : إن مصحف علي كان على ترتيب النزول أوله اقرأ ثم المدثر ثم " ن " والقلم ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير ثم سبح وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        وأما ترتيب المصحف على ما هو عليه الآن فقال القاضي أبو بكر الباقلاني : يحتمل أن يكون النبي - صلى الله [ ص: 659 ] عليه وسلم - هو الذي أمر بترتيبه هكذا ، ويحتمل أن يكون من اجتهاد الصحابة ، ثم رجح الأول بما سيأتي في الباب الذي بعد هذا أنه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعارض به جبريل في كل سنة . فالذي يظهر أنه عارضه به هكذا على هذا الترتيب ، وبه جزم ابن الأنباري ، وفيه نظر ، بل الذي يظهر أنه كان يعارضه به على ترتيب النزول . نعم ترتيب بعض السور على بعض أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفا وإن كان بعضه من اجتهاد بعض الصحابة ، وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس قال : " قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى " الأنفال " وهي من المثاني ، وإلى " براءة " وهي من المبين فقرنتم بهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتموهما في السبع الطوال ؟ فقال عثمان : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما ينزل عليه السورة ذات العدد ، فإذا نزل عليه الشيء - يعني منها - دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن ، وكان قصتها شبيهة بها ، فظننت أنها منها ، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنها منها اه . فهذا يدل على أن ترتيب الآيات في كل سورة كان توقيفا ، ولما لم يفصح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر " براءة " أضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادا منه رضي الله تعالى عنه . ونقل صاحب " الإقناع " أن البسملة لبراءة ثابتة في مصحف ابن مسعود ، قال : ولا يؤخذ بهذا . وكان من علامة ابتداء السورة نزول " بسم الله الرحمن الرحيم " أول ما ينزل شيء منها كما أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم ختم السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم " وفي رواية " فإذا نزلت بسم الله الرحمن الرحيم علموا أن السورة قد انقضت " ومما يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفا ما أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عن أوس بن أبي أوس حذيفة الثقفي قال : " كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف " فذكر الحديث وفيه فقال لنا رسول - صلى الله عليه وسلم - : طرأ علي حزبي من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه . قال : فسألنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا : كيف تحزبون القرآن ؟ قالوا : نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة وثلاث عشرة ، وحزب المفصل من " ق " حتى تختم .

                                                                                                                                                                                                        قلت : فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن الذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة ، بخلاف ما عداه فيحتمل أن يكون كان فيه تقديم وتأخير كما ثبت من حديث حذيفة " أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ النساء بعد البقرة قبل آل عمران " ويستفاد من هذا الحديث - حديث أوس - أن الراجح في المفصل أنه من أول سورة " ق " إلى آخر القرآن ، لكنه مبني على أن الفاتحة لم تعد في الثلث الأول فإنه يلزم من عدها أن يكون أول المفصل من الحجرات ، وبه جزم جماعة من الأئمة ، وقد نقلنا الاختلاف في تحديده في " باب الجهر بالقراءة في المغرب " من أبواب صفة الصلاة ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية