الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم

                                                                                                                332 حدثنا عمرو بن محمد الناقد وابن أبي عمر جميعا عن ابن عيينة قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة قالت سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل من حيضتها قال فذكرت أنه علمها كيف تغتسل ثم تأخذ فرصة من مسك فتطهر بها قالت كيف أتطهر بها قال تطهري بها سبحان الله واستتر وأشار لنا سفيان بن عيينة بيده على وجهه قال قالت عائشة واجتذبتها إلي وعرفت ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت تتبعي بها أثر الدم وقال ابن أبي عمر في روايته فقلت تتبعي بها آثار الدم وحدثني أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا حبان حدثنا وهيب حدثنا منصور عن أمه عن عائشة أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم كيف أغتسل عند الطهر فقال خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها ثم ذكر نحو حديث سفيان

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قد قدمنا في الباب الذي قبله أن صفة غسل المرأة والرجل سواء ، وتقدم بيان ذلك مستوفى ، والمراد في هذا الباب بيان أن السنة في حق المغتسلة من الحيض أن تأخذ شيئا من مسك فتجعله في قطنة أو خرقة أو نحوها وتدخلها في فرجها بعد اغتسالها ، ويستحب هذا للنفساء أيضا لأنها في معنى الحائض . وذكر المحاملي من أصحابنا في كتابه ( المقنع ) أنه يستحب للمغتسلة من الحيض والنفاس أن تطيب جميع المواضع التي أصابها الدم من بدنها ، وهذا الذي ذكره من تعميم مواضع الدم من البدن غريب لا أعرفه لغيره بعد البحث عنه .

                                                                                                                واختلف العلماء في الحكمة في استعمال المسك ، فالصحيح المختار الذي قاله الجماهير من أصحابنا وغيرهم أن المقصود باستعمال المسك تطييب المحل ، ودفع الرائحة الكريهة . وحكى أقضى القضاة الماوردي من أصحابنا وجهين لأصحابنا : أحدهما هذا ، والثاني أن المراد كونه أسرع إلى علوق الولد قال : فإن قلنا بالأول ففقدت المسك استعملت ما يخلفه في طيب الرائحة ، وإن قلنا بالثاني استعملت ما قام مقامه في ذلك من القسط والأظفار وشبههما . قال : واختلفوا في وقت استعماله . فمن قال بالأول قال : تستعمله بعد الغسل ، ومن قال بالثاني قال : قبله . هذا آخر كلام الماوردي . وهذا الذي حكاه من استعماله قبل الغسل ليس بشيء ويكفي في [ ص: 14 ] إبطاله رواية مسلم في الكتاب في قولـه - صلى الله عليه وسلم - : تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه ، ثم تصب عليها الماء ، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها وهذا نص في استعمال الفرصة بعد الغسل ، وأما قول من قال : إن المراد الإسراع في العلوق فضعيف أو باطل فإنه على مقتضى قوله ينبغي أن يخص به ذات الزوج الحاضر الذي يتوقع جماعه في الحال ، وهذا شيء لم يصر إليه أحد نعلمه ، وإطلاق الأحاديث يرد على من التزمه ، بل الصواب أن المراد تطيب المحل ، وإزالة الرائحة الكريهة ، وأن ذلك مستحب لكل مغتسلة من الحيض أو النفاس ، سواء ذات الزوج وغيرها ، وتستعمله بعد الغسل ، فإن لم تجد مسكا فتستعمل أي طيب وجدت ، فإن لم تجد طيبا استحب لها استعمال طين أو نحوه مما يزيل الكراهة ، نص عليه أصحابنا ، فإن لم تجد شيئا من هذا فالماء كاف لها ، لكن إن تركت التطيب مع التمكن منه كره لها ، وإن لم تتمكن فلا كراهة في حقها . والله أعلم .

                                                                                                                وأما ( الفرصة ) فهي بكسر الفاء وإسكان الراء وبالصاد المهملة ، وهي القطعة .

                                                                                                                و ( المسك ) بكسر الميم ، وهو الطيب المعروف ، هذا هو الصحيح المختار الذي رواه ، وقاله المحققون ، وعليه الفقهاء وغيرهم من أهل العلوم . وقيل : ( مسك ) بفتح الميم ، وهو الجلد ، أي قطعة جلد فيه شعر . ذكر القاضي عياض أن فتح الميم هي رواية الأكثرين ، وقال أبو عبيد وابن قتيبة : إنما هو قرضة من مسك بقاف مضمومة وضاد معجمة ومسك بفتح الميم أي قطعة من جلد . وهذا كله ضعيف ، والصواب ما قدمناه ، ويدل عليه الرواية الأخرى المذكورة في الكتاب ( فرصة ممسكة ) وهي بضم الميم الأولى وفتح الثانية وفتح السين المشددة أي قطعة من قطن أو صوف أو خرقة مطيبة بالمسك كما قدمنا بيانه . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( تطهري بها ، سبحان الله ) قد قدمنا ( أن سبحان الله ) في هذا الموضع وأمثاله يراد بها التعجب ، وكذا لا إله إلا الله ، ومعنى التعجب هنا كيف يخفى مثل هذا الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر؟ وفي هذا : جواز التسبيح عند التعجب من الشيء واستعظامه ، وكذلك يجوز عند التثبت على الشيء ، والتذكر به . وفيه استحباب استعمال الكنايات فيما يتعلق بالعورات ، وقد تقدم بيان هذه القاعدة مرات . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( تتبعي بها آثار الدم ) قال جمهور العلماء : يعني به الفرج ، وقد قدمنا عن المحاملي أنه قال : تطيب كل موضع أصابه الدم من بدنها ، وفي ظاهر الحديث حجة له .

                                                                                                                قوله : ( حدثنا حبان حدثنا وهيب ) هو ( حبان ) بفتح الحاء وبالباء الموحدة وهو ( حبان بن هلال ) .




                                                                                                                الخدمات العلمية