الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 207 - 208 ] باب زكاة المال فصل في الفضة ( ليس فيما دون مائتي درهم صدقة ) لقوله عليه الصلاة والسلام { ليس فيما دون خمس أواق صدقة } والأوقية أربعون درهما ( فإذا كانت مائتين وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ) { لأنه عليه الصلاة والسلام [ ص: 209 ] كتب إلى معاذ رضي الله عنه أن خذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم ، ومن كل عشرين مثقالا من ذهب نصف مثقال } . قال ( ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما فيكون فيها درهم ثم في كل أربعين درهما درهم ) وهذا عند أبي حنيفة وقالا : ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه ، وهو قول الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث علي { وما زاد على المائتين فبحسابه } ولأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال ، واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى وبعد النصاب في السوائم تحرزا عن التشقيص .

ولأبي حنيفة قوله عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ { لا تأخذ من الكسور شيئا } [ ص: 210 ] وقوله في حديث عمرو بن حزم { وليس فيما دون الأربعين صدقة } ولأن الحرج مدفوع ، وفي إيجاب الكسور ذلك لتعذر الوقوف ، [ ص: 211 ] والمعتبر في الدراهم وزن سبعة ، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل ، بذلك جرى التقدير في ديوان عمر واستقر الأمر عليه [ ص: 212 - 213 ]

( وإذا كان الغالب على الورق الفضة فهو في حكم الفضة ، وإذا كان الغالب عليها الغش فهو في حكم العروض يعتبر أن تبلغ قيمته نصابا ) لأن الدراهم لا تخلو عن قليل غش لأنها لا تنطبع إلا به وتخلو عن الكثير ، فجعلنا الغلبة فاصلة وهو أن يزيد على النصف اعتبارا للحقيقة ، وسنذكره في الصرف إن شاء الله تعالى ، إلا أن في غالب الغش لا بد من نية التجارة كما في سائر العروض ، إلا إذا كان تخلص منها فضة تبلغ نصابا لأنه لا يعتبر في عين الفضة القيمة ولا نية التجارة .

[ ص: 208 ]

التالي السابق


[ ص: 208 ] باب زكاة المال )

ما تقدم أيضا زكاة مال إلا أن في عرفنا يتبادر من اسم المال النقد والعروض ، وقدم الفضة على الذهب اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام { ليس فيما دون خمس أواق صدقة } ) أخرجه البخاري هكذا { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، ولا فيما دون خمس ذود صدقة ، ولا فيما دون خمس أواق صدقة } وأخرجه مسلم { ليس فيما دون خمس أواق من الورق } الحديث . وقوله والأوقية أربعون درهما يحتمل أنه من كلام المصنف أخذا من تقدير أصدقة أزواجه عليه الصلاة والسلام " قالت عائشة : كانت ثنتي عشرة أوقية ونشا فتلك خمسمائة ، قال أبو مسلمة : قلت ما النش ؟ قالت : نصف أوقية " .

رواه مسلم ، ويحتمل أنه أراده من تمام الحديث ، وشاهده ما أخرجه الدارقطني عنه عليه الصلاة والسلام { لا زكاة في شيء من الفضة حتى تبلغ خمس أواق والأوقية أربعون درهما } مختصر وفيه يزيد بن سنان الرهاوي أبو فروة : ضعف ، والأوقية أفعولة فتكون الهمزة زائدة ، وهي من الوقاية لأنها تقي صاحبها الحاجة .

وقيل هي فعيلة فالهمزة أصلية وهي من الأوق وهو الثقل ، ولم يذكر في نهاية ابن الأثير إلا الأول قال : وهمزتها زائدة ويشدد الجمع ويخفف مثل أثفية وأثافي وأثاف ، وربما يجيء في الحديث وقية وليست بالعالية

( قوله فإذا كانت مائتي درهم إلخ ) سواء كانت [ ص: 209 ] مصكوكة أو لا ، وكذا عشرة المهر ، وفي غير الذهب والفضة لا تجب الزكاة ما لم تبلغ قيمته نصابا مصكوكا من أحدهما لأن لزومها مبني على التقوم ، والعرف أن يقوم بالمصكوك ، وكذا نصاب السرقة احتياطا للدرء ( قوله كتب إلى معاذ ) الله تعالى أعلم به ، وإنما في الدارقطني { أنه عليه الصلاة والسلام أمر معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ من كل أربعين دينارا دينارا ، ومن كل مائتي درهم } الحديث ، وهو معلول بعبد الله بن شبيب ، ولا يضر ذلك بالمدعي فإن أحاديث أخذ ربع العشر من الرقة مفسرة من كل أربعين درهما درهم كثيرة شهيرة ( قوله فزكاته بحسابه ) ففي الدرهم الزائد جزء من أربعين جزءا من درهم ، ومما يبنى على هذا الخلاف لو كان له مائتان وخمسة دراهم مضى عليها عامان عنده عليه عشرة وعندهما خمسة لأنه وجب عليه في العام الأول خمسة وثمن فيبقى السالم من الدين في العام الثاني مائتان إلا ثمن درهم فلا تجب فيه الزكاة ، وعنده لا زكاة في الكسور فيبقى السالم مائتين ففيها خمسة أخرى .

( قوله في حديث علي ) تقدم حديثه في زكاة العوامل والحوامل وفي أول كتاب الزكاة في مسألة الحول ( قوله وبعد النصاب في السوائم إلخ ) جواب عن مقدر هو أنه قد عفي بعد النصاب في السوائم أعداد فقال ذلك فيها تحرزا عن التشقيص ، أي إيجاب الشقص لما فيه من ضرر الشركة على الملاك وليس ذلك بلازم هنا ( قوله ولأبي حنيفة إلخ ) روى الدارقطني عن معاذ { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن لا يأخذ من الكسور شيئا } [ ص: 210 ] وهو ضعيف بالمنهال بن الجراح . وأما ما نسبه المصنف إلى حديث عمرو بن حزم فقال عبد الحق في أحكامه : روى أبو أويس عن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم الحديث ، وذكر في الفضة فيه { ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، وفي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون الأربعين صدقة } ولم يعزه عبد الحق لكتاب ، وكثيرا ما يفعل ذلك في أحكامه ، والموجود في كتاب ابن حزم عند النسائي وابن حبان والحاكم وغيرهم { وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم } وروى ابن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم عن الحسن قال : كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري " فما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم " وتقدم في الحديث المصحح قوله صلى الله عليه وسلم { هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم } .

فقوله من كل أربعين درهما درهم خرج تفسيرا لقوله هاتوا ربع العشور فيفيد هاتوا ربع العشور على هذا الوجه لأن هذه الجملة في موضع الحال من المفعول فتكون قيدا في عامله الذي هو الأمر بالإعطاء فيكون الوجوب على هذا الوجه .

بقي أن يقال : قصاراه أنه لم يتعرض للنفي عما دونها إلا بمفهوم الصفة ، ولا يعتبر عندنا أو بالإضافة إلى العدم الأصلي ، وحديث علي متعرض لإيجابه ، ولو اعتبر المفهوم كان المنطوق مقدما عند المعارضة ، خصوصا وفيه الاحتياط . فالأولى حينئذ إثبات المعارضة بين [ ص: 211 ] حديث علي وحديث عمرو بن حزم وأثر عمر فإنهما يفيدان أن تمام حكم ما زاد أن يجب في كل أربعين درهم فلا يكون من حكم ما زاد خلاف ذلك وإلا لم يكن بيانا لحكم ما زاد بل لبعضه فإن قيل : يحمل على إرادة ما زاد من الأربعينات دفعا للمعارضة .

قلنا ليس بأولى من اعتبار مثله في حديث علي بأن يحمل ما زاد فبحسابه : أي ما زاد من الأربعينات فبحساب الخمسة في المائتين وهو أن يكون فيها درهم . فإن قيل : بل الحمل في معارض حديث علي أولى منه فيه لأنه موجب وذلك مسقط فيكون فيه الاحتياط ، وظن أن حديث معاذ نهي فيقدم غلط بأدنى تأمل ; لأنه إنما نهي المصدق ، وكلامنا فيما يرجع إلى رب المال وهو ليس بمنهي أن يعطي بل الواقع في حقه تعارض السقوط والوجوب .

قلنا : ذلك لو لم يكن ملزوما للحرج العظيم والتعذر في بعضها في كثير من الصور وهو ما أشار إليه المصنف بقوله لتعذر الوقوف ، وذلك أنه إذا ملك مائتي درهم وسبعة دراهم وجب عليه على قولهما خمسة وسبعة أجزاء من أربعين جزءا من درهم ، فإذا لم يؤد حتى جاءت السنة الثانية كان الواجب عليه زكاة مائتي درهم ودرهم وزكاة ثلاثة وثلاثين جزءا من درهم وذلك لا يعرف ، ولأنه أوفق لقياس الزكوات لأنها تدور بعفو ونصاب ( قوله والمعتبر في الدرهم إلخ ) هذا الاعتبار في الزكاة ونصاب الصدقة والمهر وتقدير الديات ، وإذ قد أخذ المثقال في تعريف الدرهم فلا بد من النظر فيه ، وظاهر كلام المصنف في صدقة الذهب أنه معروف .

قال أبو عبيد في كتاب الأموال ولم يزل المثقال في آباد الدهر محدودا لا يزيد ولا ينقص . وكلام السجاوندي في كتاب قسمة التركات خلافه ، قال الدينار : بسنجة أهل الحجاز عشرون قيراطا والقيراط خمسة شعيرات ، فالدينار عندهم مائة شعيرة وعند أهل سمرقند ستة وتسعون شعيرة ، فيكون القيراط عندهم طسوجا وخمسه . وذكر فيه أيضا في تحديد الدينار مطلقا فقال : اعلم أن الدينار ستة دوانيق والدانق أربع طسوجات والطسوج حبتان والحبة شعيرتان والشعيرة ستة خرادل والخردلة اثنا عشر فلسا والفلس ست فتيلات والفتيل ست نقيرات [ ص: 212 ] والنقير ثمان قطميرات والقطميرة اثنتا عشرة ذرة انتهى .

فإن كان المراد بالخرادل أو الشعيرة المعروف فلا حاجة إلى الاشتغال بتقدير ذلك وهو تعريف الدينار على عرف سمرقند ، وتعريف دينار الحجاز هو المقصود إذ الحكم خرج من هناك ، ويوضح ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { المكيال مكيال أهل المدينة ، والوزن وزن أهل مكة } لفظ النسائي عن أحمد بن سليمان ووثقه

وإن لم يكن كذلك بل لهم فيه اصطلاح خاص فلم يحصل مما ذكره تحديد ولا تمييز عند العقل لأن الذرة حينئذ هي مبدأ ما يقدر به هذه المسميات الاصطلاحية ولا يعرف شخصها ، وقد لا يقدر على الاعتبار بها لو عرف ، وأنت تعلم أن المقصود تقدير كمية شيء موجود ثابت ، والتوصل إلى ذلك لا يتوقف على هذه التكلفات مع أنه لم يحصل بذلك مقصود ، وغير واحد اقتصر على التقدير الأول ، والاقتصار على مثله لا يجوز في إفادة التقدير إلا أن يكون المراد الوسط بين الشعيرات المعروفة وإلا يكون تجهيلا

ولو انتهى إلى الخردل كان حسنا إذ لا يتفاوت آحاده وكذا بعض الأشياء ، وهذا كله على تقدير كون الدينار والمثقال مترادفين ، والظاهر أن المثقال اسم للمقدار المقدر به والدينار اسم للمقدر به بقيد ذهبيته ، وإذ قد عرفت هذا فقالوا : كانت الدراهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أصناف : صنف كل عشرة وزن عشرة مثاقيل ، وصنف كل عشرة وزن خمسة ، وصنف كل عشرة بوزن ستة ، فلما وقع الخلاف في الإيفاء والاستيفاء ، وقيل أراد عمر أن يستوفي الخراج بالصنف الأول فالتمسوا التخفيف ، فجمع حساب زمانه فأخرجوا عشرة وزن سبعة

وقيل أخذ عمر رضي الله عنه من كل صنف درهما فخلطه فجعله ثلاثة دراهم متساوية فخرج الدرهم أربعة عشر قيراطا كل عشرة وزن سبعة مثاقيل فبقي العمل عليها وأجمع الناس عليها ، وهذا صريح في أن كون الدراهم بهذه الزنة لم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم ، ولا شك في ثبوت وجوب الزكاة في زمانه عليه الصلاة والسلام وتقديره لها واقتضاء عماله إياها خمسة من كل مائتين

فإن كان المعين لوجوب الزكاة في زمانه الصنف الأعلى لم يجز النقص ، وإن كان ما دونه لم يجز تعيين هذه لأنها زيادة على المقدر توجب نفي الوجوب بعد تحققه لأنه على ذلك التقدير يتحقق في مائتين وزن خمسة أو ستة ، فالقول بعدم الوجوب ما لم تبلغ وزن مائتين وزن سبعة ملزوم لما ذكرنا .

وظاهر كلام أبي عبيد في كتاب الأموال أن أيها وجد كانوا يزكونه قال : كانت الدراهم قبل الإسلام كبارا وصغارا ، فلما جاء الإسلام وأرادوا ضرب الدراهم وكانوا يزكونها من النوعين فنظروا إلى الدرهم الكبير فإذا هو ثمانية دوانيق وإلى الدرهم الصغير فإذا هو أربعة دوانيق ، فوضعوا زيادة الكبير على نقصان الصغير فجعلوها درهمين سواء كل واحد ستة دوانيق ، ثم اعتبروها بالمثاقيل ، ولم يزل المثقال في آباد الدهر لا يزيد ولا ينقص فوجدوها عشرة من هذه وزن سبعة مثاقيل انتهى .

وإنما سقنا بقية كلامه ليظهر ما فيه من المخالفة لما تقدم ويقتضي أن النصاب ينعقد من الصغار ، وهو الحق لأنهم لم يختلفوا في تفاوت الدراهم صغرا وكبرا في زمانه صلى الله عليه وسلم ، فبالضرورة تكون الأوقية مختلفة أيضا بالصغر والكبر ، وقد { أوجب عليه الصلاة والسلام في [ ص: 213 ] خمس أواق الزكاة } مطلقا من غير تقييد بصنف ، فإذا صدق على الصغيرة خمس أواق وجب فيها الزكاة بالنص ، ويؤيده نقل أبي عبيد أنهم كانوا يزكون النوعين ، وعن هذا والله أعلم ذهب بعضهم إلى أن المعتبر في حق كل أهل بلد دراهمهم .

ذكره قاضي خان ، إلا أني أقول : ينبغي أن يقيد بما إذا كانت دراهمهم لا تنقص عن أقل ما كان وزنا في زمنه عليه الصلاة والسلام وهي ما تكون العشرة وزن خمسة لأنها أقل ما قدر النصاب بمائتين منها حتى لا تجب في مائتي من الدراهم المسعودية الكائنة بمكة مثلا وإن كانت دراهم قوم ، وكأنه أعمل إطلاق الدراهم والأواقي في الموجود وما يمكن أن يوجد ويستحدث ، ونحن أعملناه في الموجود ; لأن الظاهر أن الإشارة بالكلام إلى ما هو المعهود الثابت ، والله أعلم .

فإن لم يكن لهم دراهم إلا كبيرة كوزن سبعة فالاحتياط على هذا أن تزكى ، وإن كانت أقل من مائتين إذا بلغ ذلك الأقل قدر نصاب هو وزن خمسة ، ألا يرى أنه إذا لم تكن الدراهم إلا وزن عشرة أو أقل مما يزيد على وزن سبعة وجب الزكاة في أقل من مائتين منها بحساب وزن السبعة . وعن هذا قال في الغاية : دراهم مصر أربعة وستون حبة ، وهو أكبر من درهم الزكاة فالنصاب منه مائة وثمانون وحبتان انتهى .

فإذا لم يثبت أن درهم الزكاة مقدر شرعا بما هو وزن سبعة بل بأقل منه لما قلنا وجب أن يعتبر الأقل في الدراهم الكبيرة فتزكى إذا بلغت قدر مائتين من الصغار ، والله سبحانه أعلم . ثم ما ذكر في الغاية من دراهم مصر فيه نظر على ما اعتبروه في درهم الزكاة ; لأنه إن أراد بالحبة الشعيرة فدرهم الزكاة سبعون شعيرة إذ كان العشرة وزن سبعة مثاقيل ، والمثقال مائة شعيرة على ما قدمناه فهو إذا أصغر لا أكبر

وإن أراد بالحبة أنه شعيرتان كما وقع تفسيرها في تعريف السجاوندي الطويل فهو خلاف الواقع ، إذ الواقع أن درهم مصر لا يزيد على أربع وستين شعيرة لأن كل ربع منه مقدر بأربع خرانيب والخرنوبة مقدرة بأربع قمحات وسط ( قوله فهو فضة ) أي فتجب فيه الزكاة كأنه كله فضة لا زكاة العروض ولو كان أعدها للتجارة ، بخلاف ما إذا كان الغش غالبا ، فإن نواها للتجارة اعتبرت قيمتها ، وإن لم ينوها فإن كانت بحيث يتخلص منها فضة تبلغ نصابا وحدها أو لا تبلغ ، لكن عنده ما يضمه [ ص: 214 ] إليها فيبلغ نصابا وجب فيها لأن عين النقدين لا يشترط فيهما نية التجارة ولا القيمة ، وإن لم يخلص فلا شيء عليه لأن الفضة هلكت فيه ، إذ لم ينتفع بها لا حالا ولا مآلا فبقي العبرة للغش . وهي عروض يشترط في الوجوب فيها نية التجارة . وعلى هذا التفصيل الذهب المغشوش .

وإذا استوى الغش فيهما قيل تجب فيه احتياطا وقيل لا تجب وقيل يجب درهمان ونصف . كذا حكاه بعضهم . ولا يخفى أن المراد بقول الوجوب أنه تجب في الكل الزكاة . ففي مائتين خمسة دراهم كأنها كلها فضة . ألا ترى إلى تعليله بالاحتياط ، وقول النفي معناه لا تجب كذلك . والقول الثالث لا بد من كونه على اعتبار أن يخلص وعنده ما يضمه إليه فيخصه درهمان ونصف . وحينئذ فليس في المسألة إلا قولان ; لأن على هذا التقدير لا يخالف فيه أحد . فحكاية ثلاثة أقوال غير واقع .

والذهب المخلوط بالفضة إن بلغ الذهب نصابا ففيه زكاة الذهب وإن بلغت الفضة نصابها فزكاة الفضة ، لكن إن كانت الغلبة للفضة ، أما إن كانت مغلوبة فهو كله ذهب لأنه أعز وأغلى قيمة . كذا ذكر والله سبحانه أعلم .




الخدمات العلمية