الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4727 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا إبراهيم والضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم وقالوا أينا يطيق ذلك يا رسول الله فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إبراهيم ) هو النخعي والضحاك المشرقي بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الراء نسبة إلى مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد بطن من همدان ، قيده العسكري وقال : من فتح الميم فقد صحف ، كأنه يشير إلى قول [ ص: 678 ] ابن أبي حاتم مشرق موضع ، وقد ضبطه بفتح الميم وكسر الراء الدارقطني وابن ماكولا وتبعهما ابن السمعاني في موضع ، ثم غفل فذكره بكسر الميم كما قال العسكري لكن جعل قافه فاء ، وتعقبه ابن الأثير فأصاب . والضحاك المذكور هو ابن شراحيل ويقال : شراحبيل ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر يأتي في كتاب الأدب قرنه فيه بأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي سعيد الخدري ، وحكى البزار أن بعضهم زعم أنه الضحاك بن مزاحم وهو غلط .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أيعجز أحدكم ) بكسر الجيم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ) لعل هذه قصة أخرى غير قصة قتادة بن النعمان . وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث أبي مسعود الأنصاري مثل حديث أبي سعيد بهذا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : الله الواحد الصمد ثلث القرآن ) عند الإسماعيلي من رواية أبي خالد الأحمر عن الأعمش " فقال : يقرأ قل هو الله أحد فهي ثلث القرآن " فكأن رواية الباب بالمعنى . وقد وقع في حديث أبي مسعود المذكور نظير ذلك ، ويحتمل أن يكون سمى السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصفتين المذكورتين ، أو يكون بعض رواته كان يقرؤها كذلك ، فقد جاء عن عمر أنه كان يقرأ " الله أحد الله الصمد " بغير " قل " في أولها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال الفربري . سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبي عبد الله يقول : قال أبو عبد الله : عن إبراهيم مرسل ، وعن الضحاك المشرقي مسند ) ثبت هذا عند أبي ذر عن شيوخه ، والمراد أن رواية إبراهيم النخعي عن أبي سعيد منقطعة ورواية الضحاك عنه متصلة ، وأبو عبد الله المذكور هو البخاري المصنف ، وكأن الفربري ما سمع هذا الكلام منه فحمله عن أبي جعفر عنه ، وأبو جعفر كان يورق للبخاري أي ينسخ له وكان من الملازمين له والعارفين به والمكثرين عنه ، وقد ذكر الفربري عنه في الحج والمظالم والاعتصام وغيرها فوائد عن البخاري ويؤخذ من هذا الكلام أن البخاري كان يطلق على المنقطع لفظ المرسل وعلى المتصل لفظ المسند ، والمشهور في الاستعمال أن المرسل ما يضيفه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسند ما يضيفه الصحابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرط أن يكون ظاهر الإسناد إليه الاتصال ، وهذا الثاني لا ينافي ما أطلقه المصنف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثلث القرآن ) حمله بعض العلماء على ظاهره فقال : هي ثلث باعتبار معاني القرآن ، لأنه أحكام وأخبار وتوحيد وقد اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثا بهذا الاعتبار ، ويستأنس لهذا بما أخرجه أبو عبيدة من حديث أبي الدرداء قال : " جزأ النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ثلاثة أجزاء : فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن " وقال القرطبي : اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أصناف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور وهما الأحد الصمد ، لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال ، وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره ، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه ، ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جميع خصال الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى ، فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثا اه . وقال غيره : تضمنت هذه السورة توجيه الاعتقاد وصدق المعرفة وما يجب إثباته لله من الأحدية المنافية لمطلق الشركة ، والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص ، ونفي الولد والوالد المقرر لكمال المعنى ، ونفي الكفء المتضمن لنفي [ ص: 679 ] الشبيه والنظير ، وهذه مجمع التوحيد الاعتقادي ، ولذلك عادلت ثلث القرآن لأن القرآن خبر وإنشاء ، والإنشاء أمر ونهي وإباحة ، والخبر خبر عن الخالق وخبر عن خلقه ، فأخلصت سورة الإخلاص الخبر عن الله ، وخلصت قارئها من الشرك الاعتقادي . ومنهم من حمل المثلية على تحصيل الثواب فقال : معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يحصل للقارئ مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن وقيل مثله بغير تضعيف ، وهي دعوى بغير دليل ، ويؤيد الإطلاق ما أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء فذكر نحو حديث أبي سعيد الأخير وقال فيه قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احشدوا ، فسأقرأ عليكم ثلث القرآن . فخرج فقرأ قل هو الله أحد ، ثم قال : ألا إنها تعدل ثلث القرآن ولأبي عبيد من حديث أبي بن كعب " من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن ، وإذا حمل ذلك على ظاهره فهل ذلك لثلث من القرآن معين أو لأي ثلث فرض منه ؟ فيه نظر ، ويلزم على الثاني أن من قرأها ثلاثا كان كمن قرأ ختمة كاملة . وقيل : المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن . وادعى بعضهم أن قوله : " تعدل ثلث القرآن " يختص بصاحب الواقعة لأنه لما رددها في ليلته كان كمن قرأ ثلث القرآن بغير ترديد ، قال القابسي : ولعل الرجل الذي جرى له ذلك لم يكن يحفظ غيرها فلذلك استقل عمله ، فقال له الشارع ذلك ترغيبا له في عمل الخير وإن قل . وقال ابن عبد البر : من لم يتأول هذا الحديث أخلص ممن أجاب فيه بالرأي . وفي الحديث إثبات فضل قل هو الله أحد . وقد قال بعض العلماء : إنها تضاهي كلمة التوحيد لما اشتملت عليه من الجمل المثبتة والنافية مع زيادة تعليل ، ومعنى النفي فيها أنه الخالق الرزاق المعبود ، لأنه ليس فوقه من يمنعه كالوالد ، ولا من يساويه في ذلك كالكفء ، ولا من يعينه على ذلك كالولد . وفيه إلقاء العالم المسائل على أصحابه ، واستعمال اللفظ في غير ما يتبادر للفهم ، لأن المتبادر من إطلاق ثلث القرآن أن المراد ثلث حجمه المكتوب مثلا ، وقد ظهر أن ذلك غير مراد .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : أخرج الترمذي والحاكم وأبو الشيخ من حديث ابن عباس رفعه إذا زلزلت تعدل نصف القرآن ، والكافرون تعدل ربع القرآن وأخرج الترمذي أيضا وابن أبي شيبة وأبو الشيخ من طريق سلمة بن وردان عن أنس " أن الكافرون والنصر تعدل كل منهما ربع القرآن . وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن " زاد ابن أبي شيبة وأبو الشيخ " وآية الكرسي تعدل ربع القرآن " وهو حديث ضعيف لضعف سلمة وإن حسنه الترمذي فلعله تساهل فيه لكونه من فضائل الأعمال ، وكذا صحح الحاكم حديث ابن عباس وفي سنده يمان بن المغيرة وهو ضعيف عندهم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية