الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإذا نفقت السائمة كلها بعد حول الحول عليها سقطت الزكاة عنها ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى : إن هلكت بعد التمكن من الأداء ضمن صاحبها الزكاة ، فأما قبل التمكن فلا ضمان وله قولان في وجوب الزكاة قبل التمكن من الأداء قال في كتاب الأم : لا تجب الزكاة إلا بثلاث شرائط كمال النصاب وحولان الحول والتمكن من الأداء ، وقال في الإملاء : التمكن شرط الضمان لا شرط وجوب الزكاة ، وحجته أن هذا حق مالي وجب بإيجاب الله تعالى فلا يسقط بهلاك المال بعد التمكن من الأداء كصدقة الفطر واستدل بالحج ، فإنه إن كان موسرا وقت خروج القافلة من بلده ، ثم هلك ماله لا يسقط عنه الحج ولأن أكثر ما في الباب أن قدر الزكاة أمانة في يده وهو مطالب شرعا بالأداء بعد التمكن منه ، فإذا امتنع بعد توجه المطالبة عليه صار ضامنا كسائر الأمانات والخلاف ثابت فيما إذا طالبه الفقير بالأداء والحق ثابت للفقير ، فإذا امتنع بعد وجوب الطلب ممن له الحق صار ضامنا .

( وحجتنا ) فيه أن محل الزكاة هو النصاب والحق لا يبقى بعد فوات محله كالعبد الجاني [ ص: 175 ] أو المديون إذا مات والشقص الذي فيه الشفعة إذا صار بحرا بطل حق الشفيع ولا يجوز أن يصير ضامنا ; لأن وجوب الضمان بتفويت ملك أو يد كسائر الضمانات وهو بهذا التأخير ما فوت على الفقير يدا ولا ملكا فلا يصير ضامنا له شرعا بخلاف صدقة الفطر والحج ، فإن محل الوجوب هناك ذمته لا ماله وذمته باقية بعد هلاك المال ، ولأن وجوب الزكاة لمواساة الفقراء وبعد هلاك المال استحق المواساة معهم فلا يلزمه أن يواسي غيره والواجب قليل من كثير على وجه لا يكون أداؤه ملحقا الضرر به ولهذا اختص بالمال النامي حتى ينجبر بالنماء ما يلحقه من الخسران بالأداء ، وهذا لا يتحقق بعد هلاك المال فلو استوفى كان المستوفي غير ما وجب ، وذلك لا يجوز بخلاف صدقة الفطر والحج فإن المال هناك شرط الوجوب لا شرط الأداء فإذا تقرر الوجوب في ذمته لم يسقط بهلاك ماله . أما إذا طالبه الفقير فهذا الفقير ما تعين مستحقا له وله رأي في الصرف إلى من شاء من الفقراء ، وإنما امتنع من الأداء إليه ليصرفه إلى من هو أحوج منه ، فإن طالبه الساعي وامتنع من الأداء إليه حتى هلك المال فالعراقيون من أصحابنا - رحمهم الله تعالى - يقولون : يصير ضامنا ; لأن الساعي متعين للأخذ فيلزمه الأداء عند طلبه وبالامتناع يصير مفوتا ، ومشايخنا - رحمهم الله تعالى - يقولون : لا يصير ضامنا وهو الأصح فقد قال في الكتاب : إذا حبسها بعد ما وجبت الزكاة حتى ماتت لم يضمنها وليس مراده بهذا الحبس أنه يمنعها العلف والماء ، فإن ذلك استهلاك وبه يصير ضامنا إنما مراده بهذا الحبس بعد طلب الساعي والوجه فيه أنه ما فوت بهذا الحبس على أحد ملكا ولا يدا فلا يصير ضامنا وله رأي في اختيار محل الأداء إن شاء من السائمة وإن شاء من غيرها ، فإنما حبس السائمة ليؤدي من محل آخر فلا يصير ضامنا ، فإن هلك نصفها فعليه في الباقي حصته من الزكاة إذا لم يكن في المال فضل على النصاب ولا خلاف فيه والبعض معتبر بالكل فكما أنه إذا هلك النصاب كله سقط جميع الزكاة فكذلك إذا هلك البعض يسقط بقدره ، فإن قيل ما هو شرط الوجوب وهو ملك المال جعلتموه شرط الأداء ، فكذلك كمال النصاب شرط الوجوب فينبغي أن يجعل شرط الأداء حتى لا يلزمه أداء شيء إذا انتقص النصاب قلنا كمال النصاب ليس بشرط الوجوب لعينه ولكن لحصول الغنى للمالك به وغنى المالك إنما يعتبر وقت الوجوب ، فإن الغنى ليس شرطا لتحقق أداء الصدقة

التالي السابق


الخدمات العلمية